كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

التركيب خلاف ما أفادته قبله.
حجة عدم الحصر: أنها وردت للحصر وغيره، والاشتراك والمجاز خلاف الأصل، فوجب جعلها للقدر المشترك وهو الإثبات المؤكد حجة.
الثالث: أنها لما كانت للإثبات المؤكد تجوزوا بها إلى استعمالها في الحصر عرفا، فصارت للحصر بعرف الاستعمال، لا بوضع اللغة، إذ لم ينقل وضعها له، ولا دل عليه القياس.
فإذن معنى {إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ} (١٦٩) [البقرة:
١٦٩] على الأول: أنه لا يأمركم. الآية، وعلى الثاني إثبات أمره لهم إثباتا مؤكدا، يدل على قوة داعية منه إلى ذلك لا على معنى الحصر، لكن قد دل الدليل/ [٢٢ ب/م] المنفصل على أن الشيطان لا يأمرهم إلا بالسوء، فالحصر في هذه القضية لازم، إما بمقتضى إنما وضعا أو عرفا أو بالدليل الخارج.
وهذه الأقوال في «إنما» إنما هي فيما إذا تجردت، أما إن اقترن بها ما يفيد حصرا أو عدمه، وجب اعتبار مقتضى القرينة، وقد يكون الحصر مطلقا، وقد يكون من وجه دون وجه، وسيأتي القول في ذلك، وفي أدوات الحصر في مواضعه، إن شاء الله عز وجل.
وهذه المسألة من باب حروف المعاني في أصول الفقه.

قوله-عز وجل-: {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اِتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} (١٧٠) [البقرة: ١٧٠] فيه ذم التقليد، وهو اعتقاد الحكم بناء على حس الظن بمن أخذ عنه لا عن نظر وهو كذلك (١)؛ لأنه استناد إلى جهالة محضة وعدم علم، وعدم العلم لا يفيد علما لا بالعدم ولا بالوجود؛ ولأن المقلد إما أن يعلم خطأ من قلده أو إصابته، فإن علم خطأه لم يجز متابعته، وإن علم إصابته فإما بتقليد آخر فيعود الكلام فيه ويتسلسل، أو بنظر فليس حينئذ مقلدا لاستناد اعتقاده إلى نظر واستدلال، لكن قد فرضناه مقلدا هذا خلف.
واعلم أن هذه الآية وغيرها من الآيات الذامة للتقليد إنما دلت على امتناع التقليد في أحكام الأصول والمعتقدات كالتوحيد ونحوه، أما الفروع فلا، بل قد دل قوله-عز

الصفحة 75