كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

وجل-: {وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (٧) [الأنبياء: ٧] على جواز التقليد فيها.
والأقوال الممكنة في التقليد أنه يجوز في الأصول والفروع ولا يجوز فيهما، ويجوز في الفروع لا في الأصول مطلقا، / [٤٢/ل] ويجوز في الفروع وفي الأصول لمن لا يمكنه استعمال النظر فيها على وجهه إما لضعف فهمه، أو لانقطاعه بذلك عن مصالح معاشه الضرورية كالعامة ونحوهم.
{وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اِتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} (١٧٠) [البقرة: ١٧٠].
إشارة إلى دليل بطلان التقليد، وتقريره: أن آباءهم يجوز أن يصيبوا ويخطئوا فبتقدير أن يخطئوا لا يجوز متابعتهم، أفتتبعونهم على ذلك، وأما إصابتهم فليست متعينة، فإن علمتموها بتقليد آخر لزم تسلسل التقليدات، أو بنظر فلستم إذن مقلدين.
وخرجنا عن المسألة، وهذه المسألة من باب صفة المفتي والمستفتي من أصول الفقه.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاُشْكُرُوا لِلّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ} (١٧٢) [البقرة: ١٧٢] أي: من حلال رزقنا ومفهومه: لا تأكلوا من حرام ما رزقناكم، وهو يقتضي أن الحلال والحرام من رزق الله-عز وجل-وهو يرزقه خلافا للمعتزلة إذ قالوا: لا يرزق الحرام، وقد سبق القول عليهم.
{إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ} (١٧٢) [البقرة: ١٧٢] هذه من أدوات/ [٢٣/أ] الحصر، وهو تقديم المفعول نحو: {(إِيّاكَ نَعْبُدُ)}، والله أحمد، و {(بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ)}، وإنما، وقد سبق ذكرها قريبا، والنفي المتلقي بإلا نحو ما قام إلا زيد، وما فعلوه إلا قليل، وحصر المبتدأ في الخبر الأعم أو المساوي، إذ يستحيل أن يكون الخبر أخص، فإذا قلت: كل إنسان حيوان، صح؛ لأن الخبر أعم، أو الإنسان ناطق، صح؛ لأنه مساو، والشيء ينحصر في الأعم منه، والمساوي له، ولو قلت: الحيوان إنسان أو كل حيوان إنسان لم يصح، لأن الخبر أخص، ومطابقة الأقل للأكثر محال. {إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اُضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١٧٣) [البقرة: ١٧٣].
هذا تخصيص لعموم {وَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاِتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ}

الصفحة 76