كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

مُؤْمِنُونَ (٨٨) [المائدة: ٨٨] خص بهذه الأشياء، وبقي ما عداها من الأرزاق حلالا، بناء على أن العام بعد التخصيص حجة في الباقي إلى أن ورد نهيه عليه الصلاة والسّلام عن كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير (١)، فحرم ذلك أيضا، وكذلك كل ما قام الدليل على تخصيصه بالتحريم من عموم الأرزاق الحلال كالجلالة (٢) والهوام والمستخبثات بقوله-عز وجل-: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاِتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (١٥٧) [الأعراف:
١٥٧] ونحو ذلك.
ثم (الميتة) عام في التحريم خص منها السمك والجراد بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال» (٣) وكذلك ما يصيد بسهم، أو جارح فلم يدرك زكاته أو ندّ بعير ونحوه، أو تردى في بئر فرمى أو جرح فمات بشرطه/ [٤٣/ل] والميتة في المخمصة.
كل ذلك حلال خص من عموم تحريم الميتة، والدم خص منه الكبد والطحال بالحديث وما اضطر إليه في المخمصة بما في سياق هذه الآية، وكذلك الخنزير خصّ منه ما اضطر إليه في مخمصة لم يجد غيره، {إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اُضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١٧٣) [البقرة: ١٧٣]، أي: إذا أكل من هذه المحرمات مضطرا لا إثم عليه، والمضطر من خشي على نفسه الهلاك أو مرضا أو ضعفا فاحشا يخشى منه الهلاك أو الزمانة، ونحو ذلك من الضرر الفظيع، فله أن يأكل ما يسد الرمق.
وفي تمام الشبع قولان للعلماء، ويحتمل ثالث وهو جوازه من الميتة والدم دون لحم الخنزير؛ لأنه منصوص على تحريمه مثلهما، واختص بأن نهى عنه تعبدا بمخالفة النصارى،

الصفحة 77