كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

انتفى فيه القصاص بأدلة تخصيصه المشهورة (١).
{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨]، مفهومه/ [٢٤ أ/م] أن لا يقتل حر بعبد وهو خاص، فيخص به عموم النفس بالنفس خلافا لأبي حنيفة، وأصل الخلاف أن المفهوم حجة عندنا، فيخص به العموم، لأن عنده {وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى} [البقرة: ١٧٨] مفهومه لا يقتل ذكر بأنثى، لكنه متروك لضعفه ولزوم المفسدة العامة منه، وللإجماع فيقتل الذكر بالأنثى، ولا شيء لورثته.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يقتل بها، ويعطى ورثته نصف ديته؛ لأن المرأة تودى بنصف دية الرجل، هو رواية بعيدة عن أحمد، ولعل مأخذها هذا المفهوم، وهو أن الآية اقتضت أن لا يقتل بها، فلما تركناه في القتل اعتبرنا المساواة بينهما بحسب الدية حتى كأنا أخذنا بنفس المرأة نصف نفس رجل كنسبة ديتها من ديته.
{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: ١٧٨] أي: من قتل فعفا له الولي عن القصاص، أو عن بعض الدية، فعلى الولي اتباع الجاني بالدية أو ما بقي منها بالمعروف، وعلى الجاني أداء ذلك بإحسان هذا ظاهر الكلام، وهو عام مطرد، وفي تفسيره خلاف.
{فَمَنِ اِعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ} [البقرة: ١٧٨] أي: من عفا عن القصاص، ثم قتل الجاني بعد العفو عنه أو اقتص منه في طرف {فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ} (١٧٨) [البقرة: ١٧٨]، أي بالقصاص منه؛ لأنه جنى عمدا [أو أنه] أشبه الجاني ابتداء، وهذا عام خصّ منه ما إذا قتل الجاني بعد العفو عنه خطأ أو جهلا بالتحريم ونحوه من صور العذر المسقطة للقصاص؛ لقوله عز وجل: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} (٥) [الأحزاب: ٥] ونحوه، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».

{وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (١٧٩) [البقرة: ١٧٩] هذا خبر عام، وهو بحسب السياسة الكلية الظاهرة وجاري العادة مطرد؛ لأن الإنسان إذا

الصفحة 80