كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

علم أنه إذا قتل قتل كف عن القتل، فكان في كفه حياتهما جميعا وحياة من يتبعهما؛ من يدخل في نصرتهما إما بحسب أمور جزئية باطنة، فقد يكون في القصاص موت كثير مثل أن يقتص من شخص، فتأخذ العزة قوم المقتص منه فيغتالون بعض أولياء القصاص، فيظهر ذلك عليهم، فتلتحم الفتنة، فيقتل خلق كثير أو يقاد المغتالون فهذا القصاص المفروض/ [٤٦/ل] أفضى إلى موت أكثر مما كان يفضي إليه عدم القصاص، لكن مثل هذا لا يعد تخصيصا إذ هو مفروض على خلاف جهة عموم القرآن؛ إذ هو وارد على جهة السياسة الكلية الظاهرة لا على جهة الصور الفرضية الجزئية النادرة.
أما قول العرب: القتل أنفى للقتل، فلا يرد عليه مثل هذا التخصيص؛ إذ معناه: القتل أقرب إلى نفي القتل، ولا يلزم منه أن ينفيه مطلقا في كل صورة حتى يرد للصورة المفروضة ونحوها عليه.

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (١٨٠) / [٢٥ ب/م]) [البقرة: ١٨٠] هو عام في كل من حضره الموت ممن له مال وأقارب يوصي لهم ثم قيل: إنه نسخ بآية الميراث، وقوله- عليه الصلاة والسّلام-: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» (١) [فارتفع حكمه بالكلية.
وقيل: لم ينسخ وإنما خص بمن له ميراث، فلا وصية له] وبقي على أصل عمومه فيمن لا ميراث له من الأقارب فتجب له الوصية، وهو أشبه، ولأن التخصيص أيسر من النسخ، فكان التزامه أولى.
{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (١٨١) [البقرة: ١٨١] معناها فهو آثم وهو عام مخصوص بمن بدل حكم الوصية للأقارب جاهلا بتحريم التبديل أو متأولا له على أنه مندوب لا واجب أو واجب منسوخ [ونحو هؤلاء] {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٨٢] {فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٨٢] هو عام مخصوص بمن أصلح بينهم منهما لجر نفع

الصفحة 81