كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

بتعيين الصوم على ما أطاقه وبقيت رخصة التخيير فيمن لا يطيقه أو يشق عليه، فالتقدير إذن: «وعلى الذين يطيقونه ويختارون الفطر دون فدية».
{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: ١٨٤] أي: فمن تطوع بزيادة على إطعام مسكين عن إفطار كل يوم مثل أن يطعم عن كل يوم مسكينين أو مساكين، فهو خير له، كقوله-عليه الصلاة والسّلام-لرجل جاء بناقة فتية، وإنما عليه ابنة مخاض أو لبون فقال:
«ذلك الذي عليك وإن زدت شيئا فهو خير لك» (١) وهذا عام في كل من أفطر، فزاد في الفدية عن إطعام مسكين، [وربما خص بمن تعلقت ضرورته أو ضرورة عياله بالزيادة على طعام مسكين] فيجب صرفها إلى جهة تلك الضرورة حتى لو خالفت فأضر بعياله أو بنفسه أثم.
{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (١٨٤) [البقرة: ١٨٤] هذا عام إذا تقديره: وصومكم خير لكم، وهو اسم جنس مضاف، وهو يتناول من خيّر بين الصوم والفطر بأصل الشرع كالصحابة قبل نسخ ذلك في حقهم.
ومن خيّر على جهة الرخصة لعذر كالمسافر ونحوه، كل هؤلاء الصوم خيّر لهم من الإفطار، وهو مخصوص بمن خشي بالصوم التلف أو بلغ به الجهد كقيس بن صرمة الأنصاري (٢) حين أصبح طليحا من الصوم أي مجهودا منقطعا، أو أخل الصوم عليه ببعض مصالح الجهاد، كما روي/ [٤٨/ل] أنه عليه الصلاة والسّلام-كان في سفر فوقع الصائمون وقام المفطرون فنصبوا واستقوا وأسقوا وطبخوا فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ذهب المفطرون اليوم بالأجر» (٣) وقال في الصائمين في موضع آخر: «أولئك من العصاة» (٤) «ليس من البر الصيام في السفر» (٥).
ففي هذه الصورة ونحوها الفطر خير وأفضل تخصيصا لها من عموم {وَأَنْ تَصُومُوا}

الصفحة 83