كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

الحديقة وطلقها تطليقة» (١)، ففعل وهذه القصة إما أنها سبب نزول هذه الآية، أو أنها محكوم بالآية فيها، {فَإِنْ طَلَّقَها} يعني بعد المرتين السابقتين، {فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ، } هذا عام خص بالغاية بعده، وهي حتى تنكح زوجا غيره، {فَإِنْ طَلَّقَها} يعني الزوج الثاني المحلل لعودها إلى الأول، فلا جناح عليهما أي على المرأة، ومطلقها الأول ثلاثا، {أَنْ يَتَراجَعا} أي يرجعا إلى النكاح بعقد وعدد جديد، وهذا عام بما بعده وهو الشرط.

{فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ} [البقرة: ٢٣٠].
أمره ونهيه في حقوق الزوجية، فالعموم المذكور مخصوص بما إذا لم يظنا إقامة الحدود بعد التراجع، فلا يجوز لهما، وحاصله أنهما إن ظنا إقامة الحدود بعد التراجع جاز وإلا فلا، فإن قيل: ما الحكمة في أنها لا تحل لمطلقها ثلاثا إلا بعد نكاح زوج ثان؟ قلنا: زجر الرجال عن الطلاق؛ لأن من علم أن زوجته إذ طلقها ثلاثا لا يقدر عليها إلا بعد/ [٢٨ أ/م] أن ينكحها غيره، وذلك مما تأنف منه الطباع والنفوس الأبية احتملها على ما كان منها، واستبقاها فلم يطلقها خشية ما يأباه طبعه من نكاح الزوج الثاني.
فكان في اشتراط النكاح الثاني استبقاء النكاح الأول على نحو {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (١٧٩) [البقرة: ١٧٩].
إذ في القتل استبقاء الحياة، أو نقول: في النكاح نفي الطلاق، كما في القصاص نفي الجناية.

قوله عز وجل: {وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: ٢٣١] عام مطرد؛ لأن من طلق المرأة طلاقا رجعيا، ثم كلما قارب انقضاء عدتها راجعها إضرارا بها وعدوانا، فقد ظلم نفسه بالإثم فيها لتعويقها عن مصلحتها وحبسها/

الصفحة 96