كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

كان عفوا غفورا " وفى سورة المائدة "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون " للسائل أن يسأل عن زيادة "منه " فى آية المائدة وعن الواقع فيما أعقبت به كل آية منهما وعن الواقع من الطول فيما أعقبت به آية المائدة فهذه ثلاث سؤالات.
والجواب عن الأول منها: أن زيادة "منه " فى آية المائدة زيادة بيان ألا ترى أن قوله تعالى: "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ".
لا يحصل منه ما يحصل من زيادة "منه " فزيدت بيانا واختصت بذلك آية المائدة لتأخرها فى الترتيب الثابت عليه المصحف والبيان يتأخر عما هو بيان له فجاء على ما يجب.
والجواب عن السؤال الثانى: وهو وجه التناسب بين الآى وما أعقبت به وهو أن آية النساء نزلت قبل تحريم الخمر وقد ذكر المفسرون وغيرهم السبب فى نزول قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " وأنها نزلت قبل التحريم كما تقدم وكان شاربها قبل أن تحرم ربما عرض له بسببها التأخير لصلاته كما أشارت إليه الآية وفى تأخيرها عن أول وقتها نقص للفضل الموجود فى أدائها أول وقتها فلما كان ذلك مظنة لنقص والوقوع فى أدائها فى آخر وقتها أو بعد وقتها ربما كان الإثم، والآية قد أعقبت بآية التيمم ناسب ما تقدم التعقيب بقوله "إن الله كان عفوا غفورا " إذ العفو والمغفرة مرجوان فى نحو ما تقدم.
وأما آية المائدة فإنه لما تقدم قبلها حلية طعام أهل الكتاب وجواز نكاح نسائهم على الحاصل من قوله تعالى: "اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " وحال بنى إسرائيل من تحريم الشحوم عليهم وغير ذلك مما شدد عليهم فيه مما هو أمر مرفوع عنا ناسب ذلك تعقيب آية المائدة بقوله تعالى: "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون " فجاء كل على ما يناسب.
والجواب عن السؤال الثالث: أن آية النساء غير مقصود بها ما قصد بآية المائدة من الإطناب وتأمل ما انطوت عليه كل آية منها من عدد الكلم والحروف من لدن قوله تعالى فى النساء "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " إلى قوله "وأيديكم " وقوله فى المائدة "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم " إلى قوله "وأيديكم منه " تجد آية العقود يزيد عدد حروفها على آية المائدة بضعا وثلاثين حرفا فلما أطيل فى هذه ناسبها ما أعقبت به وبنى عليها من قوله "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون " وناسب إيجاز آية النساء ما بنى عليها من قوله "إن الله كان عفوا غفورا " إيجازا بإيجاز وإطنابا بإطناب.
فإن قيل: إن الإيجاز فى الكتاب عمدة ما بنى عليه وهو الجارى فى بلاغته وإنما يكون إطناب الكلام لحامل وداع فما الحامل على ذلك فى آية المائدة؟
فقلت: الحامل على ذلك فيها تفصيل ما وقع فى الآى قبلها مما حلل وحرم من لدن قوله قوله عز وجل "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير " إلى تفصيل ما أحل لكم من قوله "يسألونك ماذا أحل لهم " إلى الآية المتكلم فيها فلما جرى ذلك كله مفصلا مستوفى ناسبه الوارد فى الآية وليس فى آية النساء من مثل هذا شئ مما حلل أو حرم فجرى حكمه على نسبة ما تقدمها بناء على رعى المناسبة والله أعلم بما أراد.
الآية الثامنة:
قوله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما " وفى نصف "لا خير فى كثير من نجواهم " "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا "
للسائل أن يسأل عن وجه

الصفحة 105