كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

بما ألقت لأن غير المألوف من المطعم ينافره الطبع ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فى الضب حين قرب إليه فرده "لم يكن بأرض قومى فأجدنى أعافه " ثم أتبع ذكر الرزق المأكول بالأزواج المطهرة فازداد النعيم واتسع الميلاذ ثم أعقب بالخلود وذلك كمال النعيم وقال تعالى: "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم " فتأمل ورود الغفران بعد إصلاح الأعمال وكلاهما جزاء على ما منحوه من التقوى وسداد الأقوال وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم " وقال تعالى: "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة فى جنات عدن ورضوان من الله أكبر " وقال تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه "، فتأمل ختام الجزاء المذكور فى آية الحديد بالغفران وعظيم ما يثمره والترقى من ذكر ما تقدمه إليه وختام هاتين الآيتين بعد الرضى وهو أعظم ما يعطاه أهل الجنة والحديث الصحيح فى ذلك مشهور ومفهوم الرضى لو لم يرد الحديث أعظم نعمة والترقى فى هذه الآى بين ولم ينكسر هذا المطرد فى آى الوعد على تكررها وعلى ذلك جرت آيات الوعيد، وإلى الوعيد مرجع آى المائدة المتكلم فيها لما ذكرنا من السببيه ومقابل الوعيد الوعد وقد اطرد ذلك فيه فى كل آي القرآن وكذلك فى الآى الوعيدية.
ومن أبين الوارد فى ذلك وأقربه شبها بآى المائدة قوله تعالى: "كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق .. الآيات " إلى قوله: "وما لهم من ناصرين " فقد وقع فى هذه الآى ثلاثة أصناف اجتمعوا فى الكفر بعد الإيمان ثم اختلف حكمهم فيما بعد وقد تحصل فى وعيدهم الانتقال من أخف إلى أثقل فقال تعالى: "كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم " إلى قوله: "وأولئك هم الضالون " فهؤلاء مع وعيدهم وما ذكر من لعنهم قد أعقب ذلك بقوله تعالى: "إلا الذين تابوا " فهذا إبقاء خفت به حالهم عت المذكورين بعدهم وكذا ورد فى سبب هذه الآية أن الذى نزلت بسببه كتب بها إلى مكة بعد سؤاله هل له من توبة حين كفر بعد إسلامه ولحق بمكة فلما وفد عليها راجع الإسلام وحسنت توبته ثم قال تعالى: "إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا " فذكر هؤلاء بازدياد الكفر بعد الكفر المعقب به ايمانهم ثم أعقب ذلك

الصفحة 128