كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

وأما الآية الثانية من سورة الأنعام فإن قبلها ذكر الرسل عليهم السلام وتعقيب ذكرهم بقوله: "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " ثم قال تعالى: "وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ " فأعظم تعالى مرتكبهم فى هذا وفى تعاميهم عن التوراة وما تضمنته من الهدى والنور ثم أعقب ذلك بقوله تنزيها للرسل عليهم السلام عن الافتراء على الله سبحانه وادعاء الوحى فصار الكلام بجملته فى قوة أن لو قيل: ألا ترون ما تضمن كتاب موسى من الهدى والنور والبراهين الواضحة وهل يمكن أحد أعظم افتراء من هذا ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلى ولم يوح إليه بشئ " فهذا أوضح شئ ولما لم يتقدم فى الآية الأولى ذكر الأنبياء والوحى إليهم كما فى هذه لم يناسبها ما ورد هنا فجاء كل على ما يجب ويناسب والله أعلم.
وأما آية الأعراف فتقدمها وعيد من كذب بآيات الرسل واستكبر عنها وأنهم أهل الخلود فى النار فناسب هذا قوله تعالى: "فمن أظلم ممن افترى على كذبا أو كذب بآياته ..
"الآية.
وأما آية يونس فتقدم قبلها قوله تعالى: "وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله " إلى آخر الآية ولا أظلم ممن قال من فصحاء العرب العالمين بمقاطع الكلام وجليل النظم وعلى البلاغة: "ائت بقرآن غير هذا " أو بدله مع علمهم بعلى فصاحته واعترافهم بالعجز عنه فجمعوا بين إنكار ما علموا صدقه ممن عرفوا على حاله وجليل منصبه فإخباره تعالى عنهم بقوله: "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " فجمعوا بين الانكار وبين وقولهم فى إنكارهم "أو بدله " فلا أظلم من هؤلاء ثم فى إنكارهم وقولهم "أو بدله " أعظم إقدام وأوضح إجرام لأنه كفر على علم فلهذا أعقبت الأية هنا بقوله: "إنه لا يفلح المجرمون " ولم يقع قبل التى فى سورة الأنعام وقبل آية الأعراف مثل هذا الاقدام على مثل هذه الجريمة فى القول وإنما تقدم عداوتهم زظلمهم أنفسهم فى مرتكباتهم وتعاميهم فناسبه قوله: "إنه لا يفلح الظالمون " وأما آية العنكبوت وآية الصف فجوابهما بين مما تقدم.
وجواب ثان: وهو أنه قد تقدم مما به الاعتبار فى الأولى من آيتى الانعام وآية يونس ما فيه كفاء وإن تنوع فقد جنعه جامع الاعتبار وفى كل شفاء لمن وفق للاعتبار به

الصفحة 150