كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

فمن عدل عنه فظالم إلا أن الاجترام يبنى على أشد من الظلم وإن كان قد أجرى مع الظلم عدم الفلاح إلا أن الجرم أنبأ بالشدة وأخص بالاشعار بشناعة المرتكب وتقدم أن ترتيب السور والآى مراعى وعظيم الموقع وأنه لا يعارضه ترتيب النزول فإذا تقرر هذا فنقول: قدم وصفهم بالظلم ثم تكرر ذلك ممن افترى أو كذب وقد وصف أولا بالظلم فوصف ثانيا بالاجترام ترقيا فى الشر كما يترقى فى الخير وأيضا ليناسب ما وقع فى يونس متقدما من قوله: "وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزى القوم المجرمين ".
والجواب عن السؤال الثانى أن آية الصف قد انفردت عن كل ما تقدم من هذه الآى بذكر تعيين المفترى فيه الكذب منطوقا به من غير الإجمال الوارد فى الآى الأخر بل ورد على التفصيل والتعيين وذلك بين من قوله تعالى: "وإذ قال عيسى بن مريم يا بنى إسرائيل إنى رسول الله اليكم لما بين يدى من التوراة ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد " ثم قال: "فلما جاءهم بالبينات " أى فلما جاءهم الرسول الذى سماه لهم عيسى بالبينات والدلائل القاطعة والتصديق لما بين يديه من التوراة قالوا هذا سحر مبين فافتروا الكذب وارتكبوا البهت فيما لا توقف فيه ولا اشكال فقيل متعجبا من حالهم على الجارى فى لسان العرب: "ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب " معرفا بأداة العهد ليقوم مقام الوصف حتى كأن قد قيل هذا الكذب الذى لا امتراء فيه ولا توقف ولما لم يرد فى الآى الأخر ما تقدم هنا كان الوجه أن يرد منكرا كما ثبت فورد على ما يناسب ويجب والله أعلم.
الآية السابعة: قوله تعالى: "ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ... "الآية وفى سورة يونس: "ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كلنوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدى العمى ولو كانوا لا يبصرون " فورد الفعل فى الأولى مسندا إلى ضمير المفرد وفى الثانية إلى ضمير جماعة مع استوائهم فى الجمعية ومع اتفاق الغايتين فى أن استماعهم مع قصدهم إياه لا يجب عليهم فللسائل أن يسأل فيقول: لم ورد فى الأولى "ومنهم منيستمع إليك " وفى الثانية "ومنهم من يستمعون إليك " مع اتفاق الآيتين فيما ذكر؟
والجواب والله أعلم: أن نقول "من " لفظ مفرد ويصلح للاثنين والجميع.
على هذا وضعه فإذا ورد فى تكيب كلامهم فأول ما يحمل على السابق من حكمه اللفظى من

الصفحة 151