كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

ثم استمر ذكر دعائهم وتحذيرهم من التولى وما يعقبه إن وقع منهم ثم ذكر تحديه عليه السلام إياهم بالقرآن وطلبهم بمعارضته والإتيان بعشر سور مثله فى البلاغة وعلى النظم وان كان ما يأتون به مفترى ليكون أسهل عليهم ولم يعدل بالآى عن هذا الغرض وما يرجع إليه إلى ذكر إرسال نوح عليه السلام فوردت الآى بذلك منسوقة فقد ورد قبلها ما يناسب عطفها عليه قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة ... "الآيات وبعدها: "ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ... "الآيات، فذكرهم بإيجادهم وانتقالهم متقلبين فى أطوار مكتنفين بتوالى إنعامه منسوقا بعض ذلك على بعض مفتتحة المطالع بما يتأتى به القسم من قوله تعالى تحكيما وإظهارا للظاهر من اكتناف إنعامه وإحسانه ثم عطف على ذلك ما أنعم به من إرسال الرسل فذكر أولهم إرسالا إلى الخلق ليناسب ما بدأوا به من النعم الأولية فقال: "ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه " وكل ما ذكر فى هذه الآى نعم متناسبة والآء متوالية ولهذا لم يذكر فى هذه الآية ذكر عذاب الا بالإيماء الوجيز وخصت بقوله عقب الأمر بالعبادة: "أفلا تتقون " فذكرهم بالتقوى المجردة لنجاتهم وتخلصهم من العذاب ولم يكن ليلائم ذكر العذاب والإفصاح به ما تقدم من التذكير بإحسانه سبحانه وإنعامه من أول السورة إلى هنا.
والجواب عن السؤال الثانى: ان دعاء الرسل أممهم مما يتكرر ويتوالى فى أوقات مختلفة محال متباينة فمرة يرغبون ومرة يخوفون وينذرون وذلك بسبب حال حال ولكل مقام مقال.
فاختلاف المحكى من مقالهم إنما هو بحسب اختلاف الأوقات وما يناسب كل وقت وقت وما يجرى فيه ويشاهد من أقوال المدعوين وأحوالهم وكل المحكى من معنى مقالاتهم لا إشكال فيه، ألا ترى أن نبيا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين كان يدعوا قبائل العرب إذا وفدوا على مكة ويقف على كل قبيلة قبيلة فيكلمهم ويسمعهم القرآن ويدعوهم إلى الله بما يناسب أحوالهم ومقالهم ألا ترى قوله عليه السلام لقبيلة كانت تعلاف ببنى عبد الله "يا بنى عبد الله ان الله قد حسن اسم ابيكم " فكان يفتتح دعاء كل طائفة بمثل هذا فلكل مقام مقال، فلا سؤال فى المحكى من قول نوح عليه السلام، لقومه واختلاف ذلك وإنما السؤال فى اختصاص كل سورة بالوارد فيها من حكاية كلامه عليه السلام إذ لا يذكر فى كل سورة الا ما يناسب وهو السؤال الثالث.

الصفحة 190