كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

والجواب عن الأول والله أعلم: إن تقول: أن تخصيص الواقع من الملأ من قوم نوح عليه السلام جوابا له عند دعائهم فى سورة الأعراف إلى عبادة الله مناسب لما تقدم فيها من قول مكذبى الرسل حين تتوفاهم الملائكة قال تعالى: "حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا "وقول أخراهم لأولاهم عند دخولهم النار وتداركهم فيها جميعا: "ربنا هؤلاء أضلونا " فصار هذا مألوفا من كلامهم وجوابا متكررا منهم ثم قد جرى على هذا إخبار الله سبحانه عنهم عند تمنيهم الشفعاء أو الرد إلى الدنيا ليعملوا غير عملهم قال الله تعالى: "قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " ولم يتقدم فى السورتين بعد مثل هذا فناسب هذا ما تقدم.
وأما فى سورة هود من قول الملأ المذكورين من قوم نوح فقد تقدم فى صدر السورة قوله تعالى مخبرا عن كفار قريش وغيرهم من معاندى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم " فأعلم سبحانه بطغيانهم وتمردهم فى كفرهم فناسب هذا قول المتمردين من قوم نوح: "ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ".
وأما الوارد فى سورة المؤمنين فإنه تقدم فيها قوله تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين "، فذكر سبحانه تطور الإنسان فى تقلبات وأحوال تشهد بحاله الحضيضه ومهانته الأوليه إلى أن تلحقه العناية الربانية والاختصاص الاصطفائى فيعز بإعزاز موجده ويختص باختصاص التقريب والتشريف فتتفاوت أقدار الخلق عند ذلك فمنهم اللاحق بأشراف المقامات وأسنى الحالات ومنهم الباقى فى حضيضيته من غير ترق لما فوقها من الانتقالات ولما لم يتلمح الملأ من قوم نوح جليل مزية التشريف وما منحه هذ النبى الكريم من على قدره المنيف، وظنوا التساوى على مقتضى الحاله الأوليه قالوا يخاطبون أتباعهم وجوابا لنبيهم عليه السلام: "ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ... " الآية.
وتأمل مقال الملأ هنا ومناسبته لما قدم من خلق الإنسان تجده أنسب شئ ولم يكن مقالهم فى كل موضع من هذه ليناسب غير ما وقع فيه والله أعلم.
والجواب عن السؤال الثانى: أن الواقع فى سورة هود من قوله تعالى مخبرا عن

الصفحة 193