كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

بالكفر فى السورتين وأما آية الأعراف فقولهم فيها: "إنا لنراك فى ضلال مبين " ليس كجوابهم فى السورتين الأخريين لا من جهة الطول ولا من جهة المعنى لأن لفظ الضلال ليس بنص فى الضلال عن الدين لأنه يقال ضل بمعنى تحيز وجار عن دين أو طريق ويتسع فى إطلاق لفظ الضلال على غير ما ذكرنا وقد قال بعض المفسرون هنا فى تفسير الضلال: "إنه الذهاب عن طريق الصواب والحق " وبالجملة فإنهم لم يريدوا هنا الضلال الذى هو الكفر وإن كان قد يقع إذا تقدمته قرينة على أعظم من الكفر وأما هنا فليس كذلك فلما لم يكن فى الوارد فى سورة الأعراف من الإطالة فى العبارة والإبلاغ فيما قصدوه من المعنى مثل ما فى السورتين ناسبه الإيجاز وإن لم يوصفوا هنا بالكفر فقال تعالى: "قال الملأ من قومه "ومما يشهد أن قوم هود عليه السلام لما بلغوا فى إساءة جوابهم لنبيهم فى قولهم: "إنا لنراك فى سفاهة " وأرادوا فى قلة علم وخفة حلم قاله الغرنوى: وقال غيره: فى خفة حلم
وسخافة عقل، فلما أساؤوا فى مقالهم هذا عبر عنهم بقوله تعالى: "قال الملأ الذين كفروا من قومه " فوصفوا بالكفر مناسبة لقولهم ولما لم يقع فى جواب قوم صالح مواجهة نبيهم بمثل هذا بل عدلوا إلى مخاطبة ضعفائهم بقولهم لمن آمن منهم: "أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه "فلما لم يواجهوا نبيهم بما واجه قوم هود عبر عن هؤلاء بقوله تعالى: "قال الملأ الذين استكبروا من قومه ".
فإن قيل قد وصفوا بما يفهم كفرهم وهو الاستكبار قلت قوبل بهذا وصف مخاطبيهم بالاستضعاف وليس كالإفصاح بالكفر فوضح ما بسطناه أولا وجرى كل من ذلك على ما يناسب والله أعلم بما أراد.
الآية التاسعة من سورة الأعراف
قوله تعالى: " أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) " وفى قصة هود: " أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) " فيهما سؤالان قوله "وأنصح لكم " وفى الأخرى: "وأنا لكم ناصح أمين " والثانى أن كل واحد من هذين النبيين الكريمين يعلم من الله سبحانه ما لا يعلمه قومه فهل فى قصة نوح ما يحمله على قوله لقومه: "وأعلم من الله مالا تعلمون " ما ليس فى قصة هود؟
والجواب عنهما معا: أن قوم نوح عليه السلام لما رموه بالضلال وأكدوا ذلك

الصفحة 196