كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

بزيادتها ما مضت عليه - أى هذه السورة - من الاستيفاء والإطناب كما تقدم وناسب سقوطها فى الأعراف مقصود الإيجاز فى هذه القصة وقد مر هذا وعلى ذلك جرى الوارد من قوله فى الأعراف: "وجاء السحرة فرعون قالوا " ويجرى فى مثل هذا كثيرا عطفه بالفاء مناسبا لما يقصد فى الكلام من الارتباط أو بالواو تحكيما للاشتراك كقوله [بياض فى كل النسخ] ونظير الآية فى سقوط حرف التشريك: "وجاؤوا أباهم عشاءا يبكون قالوا يأبانا " ومجرى الإعراب فى الآية أن يكون قوله "قالوا " مقدرا لاستئناف كأن قد قال قائل: لما قال: " وجاء السحرة فرعون "قيل فما فعلوا أو ما قالوا فجووب بهذا المقدر بقوله: "قالوا أئن لنا لأجرا " وهذا الضرب كثير فصيح وموجود حيث يقصد بالإجاز كهذه الآية وأما الوارد فى الشعراء من قوله: "فلما جاء السحرة قالوا " فوارد على مالا يحتاج فيه إلى تقدير وعلى ما هو الأصل فى تركيب مثله من الكلام ومناسب للاطناب المبنى عليه ما قبل الآية وكل على ما يجب والله أعلم.
الآية التاسعة عشرة من الأعراف قوله تعالى: " قالوا ياموسى إما ان تلقى وإما أن نكون نحن الملقين " وفى طه: "قالوا ياموسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى " وهنا سؤالان: أحدهما أن كلام السحرة وتخييرهم فى الإلقاء على ظاهر السياق كان فى موطن واحد فما وجه الاختلاف ما ورد فى السورتين؟ والثانى ما وجه اختصاص كل من السورتين بما ورد فيها؟
والجواب عن الأول: أن لا يلزم من الآية أن كلام السحرة هذا كان فى موطن واحد بل لعله كان فى موطنين أو لعله قد تكرر منهم وإن كان فى موطن واحد أو لعل بعضهم قال هذا وقال بعضهم هذا أو لعل المعنى الذى حكى عنهم تعطيه العبارتان وهذا أقرب شئ لما بين اللغات من اختلاف المقاصد عند المواضع الأولى أو قصد الإلهام على الخلاف فى ذلك ومع هذه الاماكانات يسقط الاعتراض رأسا.
والجواب عن السؤال الثانى: أن كل واحدة من الآيتين جرت على وفق فواصل تلك السورة ورؤس آياتها فالعكس لا يناسب بوجه فوجب اختصاص كل سورة بما ورد فيها.
الآية الموفية عشرين قوله تعالى: " قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون "

الصفحة 218