كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

نتعاهده ونتعارفه من المعانى والصفات ولذلك ورد فى القرآن التعجب والدعاء والترجى وغير ذلك فخوطب العباد بما يتعارفون ويألفون فيما بينهم.
فهذا بيان ما تقدم.
فلما كانت الأرض بالنسبة إلى اسمها فيما ذكرنا كان أمرها أخفى وكان أمر السماء أوضح وأقرب من حيث ذكرنا خوطب الخلق على ذلك فقدم ذكر ما هو عندنا كافة أخفى فقيل عند قصد المبالغة فى تأكيد الاستغراق والقسم على ذلك: "وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء " ونظير هذا الوارد هنا قوله تعالى: " ربنا إنك تعلم ما نخفى وما نعلن وما يخفى على الله من شئ فى الأرض ولا فى السماء " وهذه الآية فى الذى تعطيه من إفهام القسم والاستغراق والابتداء بما هو عندنا أخفى كآية يونس من غير فرق وعلمه سبحانه بما خفى عندنا أو ظهر سواء تعالى ربنا عن شبه الخليقة.
فإن قيل فإن قوله سبحانه: "وما من غائبة فى السماء والأرض إلا فى كتاب مبين " قد اجتمع فيه زيادة من الاستغراقية بعد ما النافية المشيرة إلى معنى القسم كما فى الآيتين وقد تقدم فيه ذكر السماء بخلاف ما فى الآيتين؟ قلت لما تقدم هذا قوله تعالى: " وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون " وقد تقدم فى سبأ إحراز التسوية من غير فرق فقدم ذكر السماء وإنما كانت تكون كالآيتين لو لم يتقدمها ما ذكر وإذ قد نبين وجه تقديم الأرض فى آية يونس فنقول ان الآيتين من سورة سبأ لما لم يتقدم فيهما ما تقدم فى آية يونس مما يحرز تأكيد العموم والاستغراق ولم يكن فيهما داع من المعنى لتقديم الأرض على السماء ثم ان ورود السماوات بلفظ الجمع يحرز فى الآيتين من سورة سبأ معنى العموم والاستغراقى إذ هو مراد فى كل هذه الآيات الواردة فى هذا الغرض فأعطاه وأحرزه فى آية يونس وآية إبراهيم ما نجر فى هاتين الآيتين من محرز معنى القسم والاستغراق وأعطاه وأحرزه فى آيتى سبأ ما ورد فيهما من جمع السماوات وجاء كل على ما يجب ويناسب.
الآية التاسعة من سورة يونس قوله تعالى: " ولقد بوأنا بنى إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " وفى سورة الجاثية:: "ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم منالطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من

الصفحة 248