كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

وقد أفصحت آي بذلك فيما ذكر عقبها من أن الكفر السابق عمومه فى جميعهم ليس على ما يبدو منه والله أعلم وإنما هو راجع إلى أكثرهم فقد دخله خصوص يدل عليه قوله تعالى: "فبدل الذين ظلموا منهم قولا " وقوله تعالى: "وأكثرهم فاسقون "، فهم وإن وصفوا من الكفر والاعتداء بما وصفوا ليسوا فى ارتكاب البهت والمجاهرة بالباطل وموالاة التمرد والاعتداء وحال معاينة البراهين كحييى بن أخطب وأشباهه من المعاصرين لنبينا صلى الله عليه وسلم والمشاهدين أمره فناسب حال أولئك الذين لم يشاهدوه ما وقع التعبير به من قوله تعالى: "بغير الحق " إذ ليس المعرف فى قوة المنكر المرادف لقولك بغير سبب وأيضا فقد تقر عندهم من كتابهم أن مسوغ قتل النفس تقدم قتل النفس بغير حق قال تعالى: "وكتبنا عليهم فيها - أى فى التوراة - أن النفس بالنفس " وتقرر أيضا فى كتابهم رجم الزانى المحصن وقد عرفنا ذلك من دينهم
بالخبر الصحيح وأنهم اعترفوا بذلك عند النبى صلى الله عليه وسلم بعد إنكارهم وقوله تعالى فى خطاب موسى عليه السلام لهم بقوله: "ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين " فعرف بعظيم جريمة الارتداد والظاهر أن حكم المرتد عندهم القتل كحكمه عندنا وكيف ما كان فقد استقر عندهم ما يسوغ القتل ويوجبه بعد الإيمان وقد علموا أن الاتبياء عليهم السلام مبرؤون من ذلك كله فقوله تعالى: "بغير الحق " أى بغير وجه الحق المبيح للقتل فالألف واللام للعهد فى المسوغ المتقرر فى شريعتهم فقد افترق مقصد الآيتين وأما الأولى من آيتى آل عمران فخاصة بالمتمادين منهم على الكفر ولا تتناول الآية من أولها إلى آخرها خلافه فهى كالآية الثانية فيما أعطته ودلت عليه من التمرد والتمادى على الضلال فناسبها التذكير كالتى بعدها وهما معا بخلاف آية البقرة إذ لم يتقدم فى هاتين ما تقدم فى تلك ولا حال المذكورين فى هاتين كحال من ذكر فى تلك والله أعلم بما أراد.
والجواب عن السؤال الثانى: أن جمع التكسير يشمل أولى العلم وغيرهم وجمع السلامة يختص فى أصل الوضع بأولى العلم وإن وجد فى غيرهم فبحكم الالحاق والتشبيه كقوله تعالى: "إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين " وما يلحق بهذا.
وإذا تقرر هذا فورود جمع السلامة فى قوله فى سورة البقرة: "ويقتلون النبيين بغير الحق " مناسب من جهتين: إحداهما شرف الجمع لشرف المجموع والثانية مناسبة زيادة المد لزيادة أداة التعريف فى لفظ الحق وأما الآية الأولى من سورة آل عمران فمثل الأولى فى مناسبة الشرف ومناسبة زيادة المد للزيادة فى الفعل

الصفحة 42