كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

لحالهم الاخراوى فجرى ذكرهم فى سورة البقرة على هذا وأخر ذكر الصابئين لتأخرهم عن هؤلاء الأصناف فى أنهم ليسوا من أهل الكتاب أو ليسوا مثلهم فى ما وراء ما ذكر من أحوالهم فإيراد ذكرهم على ما في سورة البقرة بين، ثم قدم ذكر الصابئين فى سورة المائدة وزيادة بيان للغرض المذكور من أنه لا ترتيب فى الغاية الأخراوية إلا بنظر آخر لا بحسب الدنياوى والاشتراك فيما قبل الموافاة بل المستجيب المؤمن من الكل مخلص والمكذب متورط ثم مراتب الجزاء بحسب الأعمال فأوضح تقديم ذكر الصابئين فى سورة المائدة ما ذكرناه فإن قلت لم لم يقدم ذكرهم على الكل؟ قلت: لا وجه لهذا لمكانة المؤمنين وشرفهم فإن قلت فهلا قدموا على يهود قلت: قد كانت يهود أولى الناس بأن يكونوا فى رعيل من
المستجيبين ومعهم جرى الكلام قبل هذا نعيا عليهم وبيانا لمرتكباهم ولعظيم ما جرى على من لم يؤمن منهم وترددت فيهم عدة آيات وذلك مما يوجب تقديم ذكرهم على من عدا المؤمنين.
فإن قلت فالنصارى مثلهم: قلت النصارى أقرب إلى الصابئين من حيث التثليث وسوء نظرهم فى ذلك وتصورهم ثم إنهم لم يجر لهم ذكر فيما تقدم هذه الآية بخلاف يهود فبان من هذه الجهة تقديم يهود عليهم وإن كان يهود شر الطائفتين.
السؤال الثانى: وهو ورود اسم الصابئين فى المائدة بالرفع والجواب عنه أنه لما ورد مرفوعا تنبيها على الغرض المذكور وتأكيدا للتسوية فى الحكم وإذا اتفقوا فى الموافاة على الإيمان فنبه التقديم على هذا كما تقدم وزاد القطع على الرفع تأكيدا لأن قطع اللفظ عن الجريان على ما قبله محرك للفظ توجيهه عند سيبويه رحمه الله مقدم من تأخير وكأنه لما ذكر حكم المذكورين سواهم قيل والصابئون كذلك أى لا فرق بين الكل فى الحكم الأخراوى وهو على هذا التقدير أوضح شئ فيما ذكر، وأما على طريقة الفراء ومن قال بقوله من حمله على الموضع ففيه التقديم وأن التحريك القطعى فى اللفظ وإن لم يكن مقطوعا فى المنعنى لا يكون إلا لإحراز معنى وليس إلا ما تقدم.
والجواب عن السؤال الثالث: إن قوله تعالى فى سورة البقرة: "فلهم أجرهم " قد تقدم فى المائدة ما يعطيه ويحرزه فاكتفى به ألا ترى أن قوله تعالى: "ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم " تفسير بين للأجر الاخراوى المجمل فى قوله تعالى فى سورة البقرة: "فلهم أجرهم عند ربهم " إلى آخر الآية فقد حصل ما فى سورة المائدة مفصلا مبينا ما ورد

الصفحة 44