كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

للسائل أن يسأل عما اختلف فى هذه الآى مع اتفاقها فى مطالعها ومعناها؟ والجواب عن ذلك والله أعلم بما أراد: ان الوارد فى سورة الرعد لم يتقد قبله من متكبات أهل الكتاب فى كفرهم وعنادهم مثل ما تقدم قبل الآية الأولى من سورة البقرة ألا ترى أنه لم يذكر قيل آية الرعد من أمرهم فى ذلك مفصحا به إلا قوله تعالى: "ومن الأحزاب من ينكر بعضه " على قول من قال ان المراد بالأحزاب هنا أهل الكتاب وهذا بعد مدحه من آمن منهم بقوله تعالى: "والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك " وهو: عبد الله بن سلام رضى الله عنه وأمثاله ممن آمن منهم ثم اتبع بقوله تعالى: "ومن الأحزاب من ينكر بعضه " يريد - والله أعلم - ومن أحزابهم على من قال ذلك كما تقدم فلما لم يتقدم بسط ذكرهم وأوجز الكلام واكتفى بالايماء ناسبه ايجاز التحذير من حالهم فقال تعالى: "ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولى ولا واق "، فجئ "بما "وهو أوجز من "الذى "لفظا ما لم يقترن بها ما يقتضى التوسعة فى معناها حسبما يتبين بعد، وقيل: "ولا واق " وذلك أوجز من قوله فى آية البقرة: "ولا نصير " لفظا ومعنى فورد هذا كله موجزا ليناسب ما قبله ولما تقدم قبل الآية الأولى من سورة البقرة عدة آيات فى بسط أحوالهم وقبيح مرتكباتهم ولقرب ذلك إلى الآية المقصودة توجب الوارد فيها قوله تعالى عنهم: "وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية " إلى قوله: "يوقنون "، ثم عرف من حال أهل
الكتابين وبعدهم عن الإيمان بقوله: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم "، فبعد هذا الاطناب فى وصفهم قال تعالى: "ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذى جاءك من العلم ما لك من الله من ولى ولا نصير " وهذا مناسب لما قبله من الاطناب لفظا كما أن آية الرعد مناسبة لما قبلها لإيجاز لفظ "ما "فإنها على حرفين وأما "الذى " فعلى خمسة أحرف، ثم إن معنى نصير أوسع من حيث أن فعيلا من أبنية المبالغة فيعطى كثرة وفاعل ليس كذلك ثم إن لفظ واق أوجز فقد تبين فرقان ما بينهما وناسب الاسهاب الاسهاب والايجاز الايجاز.
ولما ذكر بعد هذه الآية من مرتكبات أهل الكتاب وعنادهم ما بسطته الآى بعد وجاء قوله بعد: "ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين " بعد إطناب زائد وتعريف بأكثر مما تقدم وردت الآية المتكررة مراعى فيها ذلك فجئ فيها بـ "من " التى للغاية أو لابتداءها والمقصود أوفى وأمعن، وجئ بـ "ما " عوضا من الذى لأنها هنا بسياقها بعد من كيف ما قدرتها من موصولية أو موصوفية

الصفحة 48