كتاب ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل (اسم الجزء: 1)

سيبويه رحمه الله هذه الضروب فى أبواب شتى لافتراقها فى أحكام تقتضى تفصيل التبويب مع اتفاقها فى ما ذكرنا وفى جرى الإيجاز فى جميعها ولما اتصل بقوله "عرضها " فى آية آل عمران وهو مبتدأ والخبر عنه مجموع فقيل "السماوات " فأفصح الجمع ما مهدناه من قصد المبالغة والتعظيم ثم أتبع ذلك ما يحرز مقصود ذلك من التعظيم والمبالغة أيضا وهو وصف من أعدت له الجنة الموصوفة ووسمهم بالمتقين وهو الذين وفوا بالإيمان وتوابعه التى بها يكمل مما ذكر فى آية "ليس البر " من لدن قوله تعالى: "ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر " إلى قوله "أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون "، ولم يكن قوله تعالى: "عرضها السماوات " بالجمع كقوله فى آية الحديد "كعرض السماء " فأفرد ولا قوله "أعدت للمتقين " كقوله فى آية الحديد "أعدت للذين آمنوا بالله ورسله " فلما تضمنت آية آل عمران من قصد المبالغة من هذه الجهات والقرائن التى ذكرنا ما لم تتضمن آية الحديد ناسب ذلك جعل العرض نفس السماوات والأرض من غير إفصاح بالمضاف المقدر الذى لابد منه عند بيان المعنى على ما تقدم ولما لم يقصد فى آية الحديد ذلك أفصح فيها بما يعطى معنى مثل وهى كاف التشبيه وورد كل على ما يناسب ويلائم.
فإن قيل: لم خصت آية آل عمران بما تمهد من قصد المبالغة والتعظيم دون آية الحديد قلت: لبنائها على الحض على الجهاد وعظيم فضله وذكر قصة بدر واحد من لدن قوله "وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " إلى ما بعد الآية المتكلم فيها ولما يكن فى آية الحديد شئ من ذلك ناسب كلا ما ورد فيه والله أعلم.
الآية الرابعة عشرة: قوله تعالى: "أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين "، وفى سورة العنكبوت: "لنبوئنهم من الجنة غرفا تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ".
للسائل أن يسأل عن وجه العطف فى الأولى وقوله فى الثانية: "نعم أجر العاملين " غير معطوف على ما قبله.
ووجه ذلك والله أعلم أن الآية الأولى لما وقع فيها ذكر الجزاء مفصلا معطوفا فقيل: " أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها " ناسبه أن عطفت الجملة الممدوح بها الجزاء فقيل: "ونعم أجر العاملين " ولما لم يفصل

الصفحة 92