كتاب بحر الفوائد (المشهور بمعاني الأخبار) للكلاباذي - ط السلام ت زكي (اسم الجزء: 2)

(ق225أ)
744 - حدثنا أبو إسحاق محمود بن إسحاق الخزاعي، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن حماد الآملي، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، حدثنا قريش بن حيان العجلي، عن بكر بن وائل، عن الزهري، عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " قلنا: يا رسول الله عليه السلام، هل نرى ربنا؟ قال: " نعم، هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ليلة البدر؟ " قلنا: لا، قال: " فإنكم ترونه كذلك إذا كان يوم القيامة جمع الأولون والآخرون، نادى منادٍ: من كان يعبد شيئاً فليلزمه، فتُرفع لهم آلهتهم التي كانوا يعبدون فتمضي ويتبعون حتى يقذفوا في النار، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيقال لهم: ما لكم ذهب الناس وبقيتم؟ فيقولون: لنا رب لم نره بعد "، قال: " يقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إن بيننا وبينه آيةٌ إذا رأيناه عرفناه ". قال: " فَيُكشَفُ لهم عن ساق فيخرون له سجداً من كان لظهره طباق وتبقى أقوام كصياصي البقر، يريدون السجود فلا يستطيعون، ثم يضرب الصراط بين ظهراني جهنم، وهو كحد السيف، بحافتيه حَسَكُ السعدان، هل رأيتم السعدان؟ " قلنا: نعم، يا رسول الله (ق225ب) قال: " فإنه كذلك، ولكن لا يعلم عظمه إلا الله، وملائكته قيام على ذُؤَابَةِ الصراط الأعلى، يقولون: اللهم سلم سلم، فيقال لهم: انجوا انجوا بقدر أعمالكم، فمنهم كالطرف، ومنهم كالبرق، ومنهم كالريح، ومنهم كالطير، ومنهم كالخيل، ومنهم كالساعي، وآخر من يمر من يَجُرُّ يداه، وتَعْلَقُ رجلاه، ويجر رجلاه وتَعْلَقُ يداه وتصيب النار منه، حتى إذا جاز، أقبل بوجهه إلى النار، فيقول: تبارك الذي أنجاني منك بعد ما رأيت منك ما رأيت، فيمكث ما شاء الله ثم يقول: يا رب اصرف بوجهي عنها، فقد قشب لي ريحها أو قشبتني وأحرقني دُخَانُها، فيقول له ربه: أتسألني شيئا بعدما أنجيتك مما رأيت؟ فيقول: يا رب، لا أسألك غيره، فيقول: لعلك إن أعطيت ذلك تسأل غيره، فيعطى ربه عهودا ومواثيق، فيصرف الله تعالى وجهه عنها وترفع له شجرة عند باب الجنة، فيقول: يا رب بلغني هذه الشجرة فأستظل في ظلها، فيقول: أين ما أقسمت يا ابن آدم؟! ويحك يا ابن آدم، فيقول: يا رب هذا ولا أسألك غيره، فيقول الله تعالى له: لعلك أن أعطيت هذا تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك. فيعطي ربه منه عهودا ومواثيق، فيبلغه الله إياها فإذا انتهى إليها، انفهقت (1) له الجنة وما فيها، فتتشوق نفسه إليها، فيقول: يا رب، فأدخلني الجنة، فيقول: وأين ما أقسمت؟! ويحك يا ابن آدم، ما أغدرك فتُعْطَي، فيقول: هذا لا أسألك غيره ثم يُعطِي ربه من عهود ومواثيق، فيقول: فأدخلني الجنَّة، فبينما هو فيها إذ قام منبهرا (ق226أ)، فيقال له: ما لك لا تسأل؟ فيقول: يا رب، قد سألت حتى استحييت وأقسمت لك، فيقول له ربه: فيرضيك أن أعطيك مثل الدنيا يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها ومثلها معها " - قال أبو سعيد الخدري إلى جنب أبي هريرة، قال: يا أبا هريرة وعشر أمثالها، سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول: " وعشر أمثالها "، فقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: ما حفظت إلا مثلها معها، فيقول: " يا رب، أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟! " فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول الرب - عز وجل -: إني لا أهزأ بك، ولكني قادر أن أعطيك ذلك، فيقول: يا رب فألحقني بالناس، فبينما هو يمضي إذ رأى ضوءا فيخر ساجدا، فيقال له: ما لك؟ فيقول: أليس هذا ربي تجلي لي فإذا هو برجل قائم، فيقول: لا، هذا منزل من منازلك وأنا قهرمان من قهارمتك، ولك مثلي ألف قهرمان، ثم يمشي أمامه، فيدخل أدنى قصوره لا يشرف على شيء منها إلى أنفذ بصره أقصى مملكته، ومملكته مسيرة سنة ". وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - إذا ذكر قول العبد: أتهزأ بي وأنت رب العالمين، يضحك حتى تبدوا أضراسه، فقال رجل من القوم: يا أبا هريرة، قد حدثتنا هذا الحديث مرارا، كلما انتهيت إلى قول الرجل لربه: " أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟ " ضحكت؟! فقال: ألا أضحك، إذ ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! لم يحدثنا إلى ضحك إذا انتهى إلى قول العبد لربه: " أتهزأ بي وأنت رب العالمين ".
_____حاشية_____
(1) في هامش الأصل: انفتحت وتزينت.

الصفحة 633