كتاب تاريخ الحياة العلمية في المدينة النبوية خلال القرن الثاني الهجري
29
سبقه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، ولا اعلم بقضاء ابي بكر وعمر وعثمان
منه، ولا افقه في رأى منه، ولا اعلم بشعر عربية ولا بتفسير القران، ولا
بحساب فريضة منه، ولا أعلم بما مضى ولا أثقف رأيا فيما احتيج إليه منه،
ولقد كان يجلس يوما ما يذكر فيه إلا الفقه، ويوما التأويل، ويوما المغازي،
ويوما الشعر، ويوما ايام العرب، وما رأيت عالما قط جلس إليه إلا خضع له
وما رايت سائلا قط ساله إلا وجد عنده علما (1).
ولنا أن نقول هذا القول عن ام المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، قال
عروة بن الزبير: لقد صحبت عائشة، ما رأيت أحدا قط كان اعلم باية أنزلت
ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا بشعر ولا أروي له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا
نسب، ولا بكذا وكذا، ولا بقضاء ولا طب منها (2).
وهذا يوضح لنا كيف كان علماء القرن الأول لا يقتصرون على تخصص
واحد بل لهم تبحر في أكثر من فن، ومن علماء الصحابة المشهورين أبى بن
كعب، و عبدالله بن مسعود، وابن عمر وغيرهم - رضي الله عنهم -.
وقد تلا علماء الصحابة علماء التابعين الذين سأحاول الحديث عنهم في
__________
(1) ابن سعد، الطبقات 2/ 368، وكلمة نسب تحرفت فصارت سيب والتصحيح من كتاب سير اعلام
النبلاء للشمس الذهبي (محمد بن أحمد ت 748 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط/ 1، 1 5 4 1!
تحقيق مامون الصاغرجي، وشعيب الأرناوط، 3/. 35. وفيه فيحدثنا العشية كلها في المغازى،
والعشية كلها في النسب، والعشية كلها في الشعر. ونائل: نال على وزن بال، ومعناها رجل جواد،
انظر الزبيدي (محمد مرتضى) تاح العروس، دار مكتبة الحياة، بيروت 8/ 47 1.
(2) الذهبي، السير 2/ 83.