كتاب تاريخ الحياة العلمية في المدينة النبوية خلال القرن الثاني الهجري

385
اختلفوا بعده في الفتيا في أشياء كثيرة، ولولا أني قد عرفت أنك قد علمتها
لكتبت جها إليك، ثم اختلف التابعون ما أشياء بعد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
سعيد بن المسيب ونظراءوه أشد الاختلاف ثم اختلف الذين كانوا بعدهم
فحضرتهم بالمدينة وغيرها ورأيتهم يومئذ في الفتيا ابن شهاب وربيعة بن أبي
عبدالرحمن، فكان من خلاف ربيعة لبعض ما مضى ما عرفت وحضرت،
وسمعت قولك فيه وقول ذوى الرأي من أهل المدينة تحيى بن سعيد، وعبيد
الله بن عمر وكثير بن فرقد وغير كثير ممن هو أسن منه حتى اضطرك ما كرهت
من ذلك إلى فراق مجلسه، وذاكرتك أنت وعبدالعزيز بن عبدالله بعض ما نعيب
على ربيعة من ذلك فكنتما لي موافقين فيما أنكرت، تكرهان منه ما اكره، ومع
ذلك بحمد الله عند ربيعة خير كثير، وعقل أصيل، ولسان بليغ، وفضل
مستبين، وطريقة حسنة في الإسلام، ومودة صادقة لإخوانه عامة ولنا خاصة،
رحمة الله عليه وغفر له وجزاه بأحسن من عمله. وكان يكون من ابن شهاب
اختلاف كثير إذا لقيناه، وإذا كاتبه بعضنا فربما كتب إليه في الشيء الواحد على
فضل رايه وعلمه بثلاثة أنواع ينقض بعضها بعضا ولا يشعر بالذي مضى من
رايه في ذلك، فهذا الذي يدعوني إلى ترك ما أنكرت تركي إياه وقد عرفت مما
عبت إنكاري إياه أن يجمع أحد من أجناد المسلمين بين الصلاتين ليلة المطر،
ومطر الشام أكثر من مطر المدينة بما لا يعلمه إلا الله لم يجمع منهم إمام قط في
ليلة مطر، وفيهم أبو عبيدة بن الجراج، وخالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان،
وعمرو بن العاص، ومعاذ بن جبل، وقد بلغنا ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعلمهم

الصفحة 385