كتاب منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين
فحسب، بل من التبيين والإيضاح.
إزاء كل هذه العوامل، رأينا أن المسؤولية العلمية تقتضي منا إلقاء الضوء على منهج هؤلاء، وبيان الطابع العقلي بحيث يجعلهم في صفوف نظَّار المسلمين الأصليين وإنه وفقًا لاتباع مناهج المتكلمين أصحاب النظر العقلي، يمكننا وضع علماء السنة والحديث الذين خاضوا في قضايا علم الكلام في الصفوف الأولى. وكان مثار اهتمامنا بهذا الاتجاه، هو وقوفنا على سمات بارزة تربط بين هؤلاء العلماء الذين لا ينتمون إلى الدوائر الكلامية بمدارسها المعروفة، ذلك أن من يتتبع الحركات الفكرية المناوئة للفرق المنشقة منذ ظهورها، يعثر - كما فَعلْنا - على ملامح عناصر ثابتة لتيار إسلامي أصيل يعبر عن غالبية عقائد المسلمين، ظلوا يعارضون منذ البداية كافة الانشقاقات التي خالفت الأصول الإسلامية.
وكان من سمات منهجنا تتبع الآثار الأولى حيث نلحظ المعارضة الشديدة لأية بادرة للخروج عن الصف الأول المتماسك الذي تركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المحجة البيضاء، وكان يجابه بعلاج حاسم، وربما يعد من المفيد الاستشهاد على بعض هذه الملامح المشهورة تاريخيًا: كما حدث في حرب الردة إذ حاول بعض المسلمين الامتناع عن دفع الزكاة فكان موقف أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - المعروف، الذي استند فيه إلى قاعدة إيمانية نظر منها إلى شمول الدائرة الإسلامية التي لا تفرق بين الصلاة والزكاة، فتحرك بدافع هذا الفهم الواضح، ورأى أن أي انفراط يعني تخلخل الأساس واهتزازه وضياع المعالم للإسلام. وفي أيام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نرى واقعة زجره لصبيغ عندما سأل عن الآيات المتشابهات فنهاه عن الخوض فيما لا طائل وراءه وثبت بعد ذلك صدق إلهام عمر.
وفي خلافة عثمان - رضي الله عنه -، عندما ظهرت الفتن بأيدي محركيها، كان الخليفة الثالث يناقش بالحجج والأدلة آراء دعاة الفتنة ويدحضها، ولكنهم كانوا قد ركبوا رؤوسهم وبيتوا أمرًا بليل، فعبروا بجريمتهم على أنهم لم يكونوا طلاب حق وعدل، بل دعاة تفرقة وأدوات فتن كيدت للإسلام من وراء الستار. كذلك وقف علي بن أبي طالب وابن عباس - رضي الله عنهما - وعمر بن عبد العزيز وغيرهم كما تروي لنا المصادر التاريخية لمناقشة الخوارج بالأدلة العقلية المستمدة من الكتاب والسنة.
الصفحة 4
303