كتاب منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين
وظل هذا الاتجاه سائرًا في طريقه لمواجهة ما ظهر من الفرق، ففي مواجهة الخوارج والشيعة والقدرية والجهمية وقف عشرات العلماء لمقارعة الحجة وتقديم الأدلة والبراهين على انحرافاتهم، ونعني بهم أمثال الحسن البصري وسعيد بن المسيب والأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ووقائع وقوف كل من الشافعي والدارمي لمعارضة بشر المريسي معروفة مشهورة بكتب التاريخ والملل والنحل، كذلك تحدي الإمام أحمد بن حنبل لكل من المأمون والمعتصم والواثق في مسألة (خلق القرآن) ، إلى جانب أتباعه الذين ظلوا محافظين على منهجه لمواجهة المنهج الأشعري، بل إننا نرى موقف الأشعري نفسه إمام المذهب - في كتابه (الإبانة) ، (ومقالات الإسلاميين) - معبرًا عن الاتجاه السلفي العام في أصول الدين، حيث وجد فيه المنهج الصحيح الذي يستطيع به مواجهة منهج الكلام الاعتزالي الذي بلغ ذروته في عصر المأمون (215 هـ) ثم المعتصم ثم الواثق (227 هـ - 232 هـ) .
وأثناء فترة حالكة في تاريخ الحضارة الإسلامية ظهر شيخ الإسلام ابن تيمية (661 - 728 هـ) ليستجمع مؤلفات علماء السنة والحديث قبله، ويظهرها في قالب (كلامي) يدحض به كافة الآراء حوله بعد أن تضخمت واستفحل أمرها، فكانت موَاقِفه الكلامية الحاسمة إزاء كل الفرق والمذاهب التي جعلت منه علامة بارزة على منهج علماء الحديث والسنة يستضاء بها في ظلمات الغربة واليأس، وسنرى في هذا الكتاب كيف وفق شيخ الإسلام إلى استنتاج طرق الاستدلالات العقلية من القرآن الكريم، مثل (الميزان القرآني) و (الآيات) و (اللزوم) و (قياس الأولى) و (أدلة الكمال) .
هذا ما رأينا بحثه ودراسته.
أما تكرار الحديث عن علم الكلام لمباحثه المعروفة في دوائر الفرق والمعتزلة والأشاعرة، مع انحياز لمذاهبهم الكلامية، فلن يخدم الحقيقة التي نسعى لمعرفتها في مجال البحث العلمي، لأن تجاهل غالبية علماء المسلمين في القرون الأولى - مع جلالة قدرهم ومكانتهم الدينية والعملية، ومن اتبع نفسه منهجهم - أو عرض آرائهم من وجهة نظر خصومهم بغير إنصاف، كل هذا يتنافى مع ما نتوخاه من معرفة الحقيقة - لا سيما إنَّ علماء الكلام عنوا بأصول الدين، لا بفروعه، ولكن المناهج السائدة عكست الآية، ذلك أن أغلب الدارسين اكتفوا بكتب علماء الكلام المتأخرين المشوبة
الصفحة 5
303