كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 4)

الكذب فى الأصل، والكذب حرام إلا بعارض، ودل على إباحة الصدق فالصدق حلال إلا بعارض. وكما أنه يجوز لنا أن نقول فى زيد: إنه موجود، لأنه موجود، فكذلك فى حق الله تعالى، ورد به الشرع أو لم يرد. وكما أننا لا نقول لزيد: إنه طويل أشقر، لأن ذلك ربما يبلغ زيداً فيكرهه، لأن فيه إيهام نقص، فكذلك لا نقول فى حق الله تعالى ما يوهم نقصاً البتة. فأما مالا يوهم نقصاً فذلك مطلق ومباح بالدليل الذى أباح الصدق مع السلامة عن العوارض المحرمة، ولذلك قد يمنع من إطلاق لفظ فإذا قرنت به قرينة جوزناه. فلا يقال لله تعالى: يا مذلّ، ونقول: يا معزّ يا مذلّ، فإنه إذا جمع بينهما كان وصف مدح، إذ يدل على أن طرفى الأمور بيديه.
وكما أنا إذا نادينا إنساناً فإما أن نناديه باسمه أو بصفة من صفات المدح، وإذا استخبرنا عن صفاته لا نذكر ما يكرهه إذا بلغه وإن كان صدقاً لعارض الكراهية، وإنما يكره ما يقدر فيه نقصاً.
وكذلك إذا استخبرنا عن مجرى الأشياء ومسكنها ومسودها ومبيضها قلنا: هو الله تعالى، ولا نتوقف فى نسبة الأفعال والأوصاف إليه إلى إذن وارد فيه على الخصوص، بل الإذن قد ورد شرعاً فى الصدق، إلا ما يستثنى عنه بعارض. والله تعالى هو الموجود والموجد والمظهر والمخفى والمسعد والمشقى والمبقى والمغنى، وكل ذلك يجوز إطلاقه وإن لم يرد فيه توقيف.
ويقول الغزالى: فإن قيل: فلم لا يجوز أن يقال له العارف والعاقل والفطن والذكى وما يجرى مجراه؟ قلنا: إنما المانع من هذا وأمثاله ما فيه من إيهامات، وما فيه إيهام لا يجوز إلا بالإذن كالصبور والرحيم والحليم، فإن فيه إيهاماً ولكن الإذن قد ورد به، وأما هذا فلم يرد به الإذن، والإيهام فيه أن العاقل هو الذى له معرفة تعقله، أى تمنعه. والفطنة والذكاء يشعران بسرعة الإدراك لما غاب عن المدرك، والمعرفة قد تشعر بسبق فكرة، فلا يمنع عن إطلاق شئ منه إلا شئ مما ذكرنا، فإن حقق لفظ لا يوهم أصلا بين المتفاهمين، ولم

الصفحة 1088