غليظة فى القول قصد بها إيمان الناس بالغيب الإلهى وأن الله هو الحَكم والخالق مع الاعتماد فى ذلك على تأكيدات تتسم بالترتيل الذى يقرع الأذن؛ وفى المدينة عود إلى هذا الغيب نفسه ينشد ذكر القلب متخذاً إياه شاهداً على ما للحياة اليومية نفسها من شأن فى الحياة الآخرة، وحاثًّا المسلمين على أن يذكروا الساعة دائماً فى كل أفعالهم، وبذلك يحضهم على الإيمان.
ونفس الاختلافات والترديدات لموضوع واحد تحدث فى تصوير تصرف الله فى تاريخ البشرية. فتحكى السور المدينية فى تفصيل دقيق قصة آدم وتمضى إلى قصص الأنبياء من نوح إلى عيسى عليهم السلام وتذكر ما لإرادة الله من شأن بالنسبة للمؤمنين. ولكن هذه الإرادة تظهر فى هذه السور متممة لقدر الله الثابت الذى ينزل بالناس من حين إلى حين، ذلك القدر الذى يحيط بكل شئ داخل الزمن وخارجه كما جاء فى الدعوة الواردة من قبل فى السور المكية؛ فالله هو الذى يحيى ويميت (سورة الليل، الآية 13؛ وهو موضوع يرجع إليه دائماً فيما بعد مثل سورة الحجر، الآية 23؛ سورة البقرة، الآية 258. . . إلخ). ومن السور الأولى نفسها دعى نوح (سورة النجم، الآية 52) وإبراهيم وموسى (سورة النازعات، الآية 15؛ سورة النجم، الآيتان 36، 37) وقبائل ثمود (سورة الشمس، الآيات من 11 - 14؛ سورة النجم، الآية 51. . . إلخ). وفى الفترة المكية الثانية يدبر الله للأمم، ذلك أن ثموداً وعاداً تختلطان بإشارات إلى يوم الحساب (سورة الحاقَّة) وتنتمى إلى الفترتين المكيتين الثانية والثالثة الأخبار المستفيضة عن تاريخ الأنبياء، ويختلط بهذا الموضوع حساب الأمم، ويتردد باستمرار حساب كل فرد على حدة.
2 - الله الأحد الواحد فى ذاته:
فى جميع السور الأولى، الله: هو ربك، ومن ثم قيل إنه الخالق، المنعم، المعين، الحكم، وهو الأعلى (سورة الأعلى، الآية 1). وقد أطلقت عليه هذه الأسماء بالنظر إلى هذه الصفات لربوبيته التى لها بعض الصلة