يتحدث فيه عن "شخصية الله القاهرة"). ولكن الإسلام لن يقول أبداً إن الله شخصى أو شخص. والمسلمون يشمئزون من هذا القول الذى يقول به الدارسون الغربيون، ولا مراء فى أنهم يتخذون منه موقف الإنكار الإيجابى. ونحن نجد فى هذا المقام لبساً ذا حدين:
(أ) من حيث المفردات: لم يطرأ على كلمة شخص فى الفلسفة العربية التغيير الذى طرأ على الكلمة اليونانية "أوبوستاسيس" أو الكلمة اللاتينية برسونا Persona. فكلمة "شخص" دائماً تدل فيما تدل على الصورة المجملة للفرد، ولا يوجد عندهم مصطلح أحسن لمفهوم هذه الكلمة غير هذا. زد على ذلك أنها تناسب جيداً الشخص المخلوق ولكنها توحى بفردية محدودة.
(ب) الفكرة نفسها من حيث إطلاقها على الله: المسلم يشعر عموماً بعزوف شديد عن أن يدخل فى حدود هذه الكلمة طبيعة الله التى لا تدرك.
ولكن هذا اللبس يتلاشى إذا بيّنا أن مفهوم "الإله الشخصى" فى اللغات الهندية الأوربية يتضمن الكمال المطلق. والله موجود فى ذاته، لا نستطيع معرفة ماهية ألوهيته؛ والله شخصى لأنه كامل ومصدر الكمال، ويتميز تماماً عن باقى المخلوقات ومناط الإيمان والعبادة. وهذا بالضبط هو ما يدعو إليه القرآن. وإذا كان هذا المفهوم يترك ماهية حياة الله مكنونة فى سرها، فإنما يكون ذلك لتأكيد كلمة الله التى يبلغها للناس عن طريق الأنبياء وتأكيد المنزع القلبى المتطلب من المؤمن. فالله الملك الحكم العادل الجبار (سورة الحشر، الآية 23) هو فى نفس الوقت أيضاً الوكيل والمنعم والرءوف. ويطلب القرآن الكريم من المؤمن حين يواجه هذا الغيب الذى لا يدرك أن يلوذ بالتقوى (سورة التوبة، الآية 109) والبر، وهو مماثل للتقوى (سورة البقرة، الآية 189) والشكر (فى صيغة الفعل كما جرى قول القرآن الكريم فى كثير من الأحيان وخاصة فى الفترة المدينية) والتوكل (ويتردد كثيراً فى القرآن الكريم بصيغة الفعل مثل (سورة النساء الآية 81).