كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 5)

وكانت مقدمات قصائده في النسيب موجهة حتى ذلك الحين إلى امرأة تقليدية موهومة هي هند، وهنالك ظهرت في أشعاره امرأة حقيقة هي عَلْوَة بنت زرَيقة التي كانت تعيش في حلب وكانت لها دار ريفية بهذه الكورة في بطياس، ولا شك أنه جرى على لقائها في أسفاره إلى الشام، ذلك أن إقامته في العراق لم تكن دائمة بحال، ومن الجائز أنه كان يكن لها هوى عظيمًا، ولو أنه سخر منها في قصيدة فيهاشئ من الفحش.
وعلى الرغم من اهتمامه لاغتيال المتوكل والفتح سنة 247 هـ (861 م). كما أخبر المسعودى عنه، فإنه رأى من الأحرص أن يعتكف في منبج، ولكنه سرعان ما ظهر بعد ذلك بقصيدة في مدح المنتصر، ثم وجه مدائحه بعد إلى الوزير أحمد بن الخصيب، وقد وقع بالصدفة في زمن متأخر عن هذا أن البحترى لم يتردد في تحريض المستعين على هذا الوزير. وذاق البحترى حلاوة الشهرة مرة أخرى في ظل المعتز، وقد مدحه بجملة من قصائده بدت فيها أصداء الاضطراب الذي كان يروى ثرى ولايات الدولة بالدم، على أن ذلك لم يمنعه بحال من الترحيب بالمهتدى كأن شيئًا من ذلك لم يحدث، ولم يعقه من أن يصبح إلى حين شاعر التقى بغية التسرية عن الخليفة الجديد.
وأفلت شهرة البحترى في عهد المعتمد، فقد أثارت سياسة هذا الخليفة المالية في نفسه بعض القلق على ثروته، وكانت آخر قصيدة قالها في مدح خليفة هي تلك التي مدح بها المعتضد سنة 279 هـ (892 م).
وهنالك ترك البحترى العراق، وأصبح شاعر البلاط مرة أخرى في ظل خمارويه بن طولون، ثم عاد إلى مسقط رأسه حيث أدركته المنية بعد مرض طويل سنة 284 هـ (897 م).
وقد اقتصر البحترى -أو كاد - في بدء حياته الشعرية على نظم القصائد في التفاخر أو في وصف تجواله في الصحراء، وثمة مثل مشهور على ذلك هو القصيدة المشهورة التي قالها في الذئب (جـ 2، ص 110)، على

الصفحة 1552