كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 5)

إلى أبي العباس أحمد بن محمد ابن بسطام الذي كان يجتمع عنده الشاعران - تعريضا به فاندفع يهاجم البحترى ورد عليه البحترى بقصيدة. وقد كشفنا عن الأيدى الخفية وراء هذه المعركة في الكلمة التي ختمنا بها شعر البحترى في الجزء الرابع من ديوانه (2465 - 2493) فانكشف أن أصابع ابن الرومى كانت تؤجج نار هذه المعركة.
هذا هو الشاعر الذي قال ابن الأثير في كتابه "المثل السائر" وهو يتحدث عنه: "وسئل أبوالطيب المتنبي عنه. وعن أبي تمام، وعن نفسه، فقال: أنا وأبو تمام حكيمان، والشاعر البحترى، ولعمرى إنه أنصف في حكمه. وأعرب بقوله هذا عن متانة علمه: فإن أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء، في اللفظ المصوغ من سلاسة الماء. فأدرك بذلك بعد المرام، مع قرابة إلى الأفهام، وما أقول إلَّا أنه أتى في معانيه بأخلاط الغالية، ورقى في ديباجة لفظه إلى الدرجة العالية".
وقال الثعالبى في كتابه "برد الأكباد" إن أبا القاسم الإسكافى قال: "استظهارى على البلاغة بثلاثة: القرآن، وكلام الجاحظ، وشعر البحترى". ودكر في كتابه "ثمار القلوب" أنه يضرب به المثل فيقال: "طبع البحترى" لأن الإجماع واقع على أنه في الشعر أطبع المحدثين والمولدين، وأن كلامه يجمع الجزالة والحلاوة والفصاحة والسلاسة. ويقال: إن شعره كتابة معقودة بالقوافى.
على أن ديوانه لم يظفر - على قوة شاعريته - بما ظفر به ديوان أبي تمام عند الأقدمين من كثرة الجمع والشرح والتعليق، ولكن ياقوتا الحموى قد قال في ترجمته لأبي جعفر محمد بن إسحاق الزوزنى البحاثى المتوفى سنة 463 هـ بغزنة (من مدن أفغانستان الآن): "ولم أر من تصانيف البحاثى هذا شيئًا إلَّا شرح ديوان البحترى، ولعمرى إن هذا شيء ابتكره، فإني ما رأيت هذا الديوان مشروحا. ولا تعرض له أحد من أهل العلم، ولاسمعت أحدا قال: إني رأيت ديوان أبي عبادة البحترى مشروحا. وتأملته فرأيته قد ملئ علما، وحشى فهما، وذاك أن

الصفحة 1572