كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 6)

متعاقبة، تنحصر أهميتها في أنها وطدت سلطان النبي وكانت سببا في انتشار الإسلام بعد ذلك. والحق إن مقدرة النبي الفائقة تجلت بأجلى بيان في هذه الموقعة، فقد نفخ في روح أتباعه الذين هالهم التقاوهم الفجائى بأهل مكة فاكتسحوا أعداءهم الذين يفوقونهم في العدد. وجاء في قصيدة حمزة أن المكيين كان عددهم ألف مقاتل في حين لم يزد عدد المسلمين على ثلثمائة رجل.
وليس من اليسير كل اليسر أن نتمثل في أذهاننا سير هذه الموقعة مستعينين بوصف بوركارت، وعلى كل فإن ما روى له في هذا المكان عن هذه الموقعة لا يفسر لنا روايات المتقدمين. فهر يذكر أن بدرا تقع في سهل تحده من الشمال والشرق الجبال الوعرة، ومن الجنوب تلال صخرية، ومن الغرب كثبان رملية متنقلة. وينساب من الجبال القائمة إلى الشرق جدول غزير المياه في مجرى صخرى فيروى حراجا مترامية الأطراف من النخيل وبساتين ومزارع إلى الجنوب الغربي من تلك البليدة. وتحول الرمال الكثيفة دون عبور التلال الغربية التي ينبسط وراءها سهل جدب يصل إلى الشاطئ ولا ينبت فيه سوى نباتات الأرض الملحة.
وشاهد بوركارت على مسيرة ميل تقريبا جنوبي البليدة قبور المسلمين الثلاثة عشر الذين استشهدوا في وقعة بدر، ويذكر ابن إسحاق أن النبي وقف هو والمسلمون عند الماء الذي على أقرب منحدر للمدينة بينما وقف المكيون على منحدر مقابل له (انظر سورة الأنفال، الآية: 42) "إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم" (أي على ساحل البحر)، وقد حجب كثيب العَقَنْقَل المكيين عن أعين المسلمين، ويفصل هذا الكثيب عن بدر وادي يَلْيَل، ويروى الواقدي أن المسلمين كان وجههم شطر الغرب بينما كان أهل مكة يواجهون الشرق والشمس في أعينهم. وبدأ المكيون الموقعة في الصباح فتسلقوا العقنقل منحدرين إلى الوادي في حين أمر النبي أصحابه ألا يهاجموا عدوهم إلَّا إذا أذن لهم، وعلى هذا

الصفحة 1624