كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 1)

إذا أن نقول كما قال المتكلمون إن مذهب ابن رشد ينكر العناية الإلهية.
أما فيما يتعلق بمسألة النفس فقد اتهم ابن رشد بأنه يذهب إلى أن النفوس الفردية تندمج فى النفس الكلية بعد الموت، وأنه ينكر على هذا النحو خلود كل نفس إنسانية على انفرادها، وليس هذا من الحق فى شئ، إذ أنه يجب أن نميز فى مذهب ابن رشد -كما فى مذاهب غيره من الفلاسفة- بين "النفس" و"العقل"؛ فالعقل مجرد غاية التجريد مخلص عن المادة، ولا يكون بالفعل إلا إذا اتصل بالعقل الكلى أو العقل الفعال" وما نسميه عقلا عند الإنسان ليس إلا قوة أو استعدادا لقبول المعقولات الصادرة عن العقل الفعال، وتسمى هذه القوة "العقل المنفعل"، وهى ليست موجودة بالفعل وإنما يجب أن تخرج إلى الفعل وأن تصير لاعقلا مستفادا"، فهى إذا تتصل بالعقل الفعال الذى هو محل المعقولات الأزلية الأبدية، واتصالها بهذا العقل الفعال تصير بدورها أبدية.
وليس الأمر كذلك فى النفس، لأن النفس عند هؤلاء الفلاسفة هى القوة المحركة التى تحيى الأجسام الطبيعية الآلية [العضوية] وتغذيها وتنميها؛ هى نوع من القوة يحيى المادة، وليس مخلصا من غواشيها كخلوص العقل، بل هو عكس ذلك شديد الاختلاط بها، حتى إن النفس قد تكون متكونة مما يشبه المادة أو من مادة لطيفة بالغة اللطف. وهذه النفوس الانسانية "صور" للأجسام، وهى لذلك لا تتقوم بها بل تبقى بعدها وتستطيع أن تحيا منفردة بعد فناء الأجسام.
وليس هذا البقاء عند ابن رشد إلا مجرد إمكان فحسب، فهو لا يعتقد أن الأدلة الفلسفية البحتة تستطيع أن تعطينا برهانا قاطعا على خلود النفس إذا تصورناها على هذا النحو. وحل هذه المسألة متروك إلى الوحى (تهافت التهافت، ص 137).
وقد اتهم المتكلمون فيلسوفنا أيضا بأنه أنكر بعث الأجسام مع أن مذهبه فى هذه المسألة أقرب إلى التمشى مع العقيدة منه إلى إنكارها. فهو يقول إن

الصفحة 192