كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 1)

وهو ظهور الذات الإلهية فى صور الموجودات المختلفة فى كل لحظة فى ثوب جديد، والفرق بين مذهبه ومذهبهم ينحصر فى أن ما يسميه الأشاعرة جوهرا يسميه ابن العربى ذاتا إلهية وحقيقة مطلقة وحقا وباطنا، وما يسمونه أعراضا وأحوالا يسميه هو الخلق والعالم الظاهرى وعالم الحس وغير ذلك.
ولا يحاول ابن العربى أن يقيم الدليل على وجود الحق ولا على وحدة الحق والخلق. أما وجود الحق فغنى فى نظره عن البرهان لأن الحق ظاهر بصور جميع الموجودات ولاشئ أظهر من الوجود ولا أعرف منه. وأما وحدته مع الحق فليست مما يقوم عليه الدليل المنطقى، بل طريق إدراكها الذوق لاغير، لذلك لايبالغ ابن العربى فى إظهار عجز العقل عن إدراك الحقائق، ويصف لنا القلب وأسراره والذوق وإدراكه، وهذا الجزء من فلسفته يشرح نظرياته فى المعرفة وفى ماهية النفس. وقد أداه قوله بوحدة الوجود إلى قوله بوحدة الأديان لا فرق بين سماويها وغير سماويها إذ الكل يعبدون الإله الواحد المتجلى فى صورهم وصور جميع المعبودات، والغاية الحقيقية من عبادة العبد لربه هى التحقق من وحدته الذاتية معه، وإنما الباطل من العبادة أن يقصر العبد ربه على مجلى واحد دون غيره ويسميه إلها.
ولم تمنع هذه العقيدة ابن العربى -كما لم تمنع اسبنوزا من بعده- من أن يشعر شعورا دينيا عميقا إزاء تلك الحقيقة الكلية الشاملة للكون وجميع مافيه، ولكنه شعور من يوقن بافتقاره إلى ربه افتقار ممكن الوجود إلى واجب الوجود وافتقار الصورة إلى الهيولى المقومة لها، فهو وإن اعتبر الحق والخلق شيئا واحدا لا يزال يعشق ذلك الحق ويعبده لاعبادة توسل وتضرع بل عبادة يتحقق فيها من تلك الوحدة الذاتية التى بينه وبين الحق، فهى بمعنى من معانيها عبادة الضعيف للقوى والفقير للغنى، وهذا النوع من العاطفة الدينية يميز ابن العربى وأمثاله عن غيرهم من اتباع مذهب وحدة

الصفحة 254