كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 9)

مخلصون لهم، وطبقوا المبدأ نفسه، وهو مبدأ "فرَّق تسد" على السكان الخاضعين لسلطانهم المباشر. وكانوا فريقين متمايزين. قبائل مُخْضَعة؛ أي رعايا وقبائل محكومة، ومخزن. وقد فرضت على الأولى العشور والزكاة وجزية أخرى تؤدى عينًا أو نقدًا (وتسمى لازمة) أما الثَّانية فكانت معفاة من كل ضريبة مع استثناء الرسوم القانونية، ولكنهم كانوا في خدمة الحكومة، متأهبين أبدًا للقتال عند أول إشارة. وكانوا يمدون الترك بالمحاربين والحمالين والجمالين. ويجبون الضرائب، ويقومون بعمل الشرطة في البلاد. وكانوا يدهمون القبائل العاصية والثائرة بغاراتهم، ويصبون عليها نقمتهم في غير شفقة أو رحمة، واستعانت بهم الحكومة التركية في تدعيم سلطانها، فكان عونهم أجدى عليها كثيرًا من عون فرق (أوجاق) الإنكشارية، وظلت قبائل المخزن بحكم الضرورة موالية للترك، أما الأهالى فكانوا ينقمون عليهم لاستغلالهم إيَّاهم. وأنشئت قطائع الجند أي الزمول (جمع زَمالة) (¬1) في كل موضع له أهمية حربية. ثم إن الترك باعدوا بين كل جماعة من أهل البلاد وبين الأخرى بأراض شاسعة غير ذات زرع. بيد أن الفتن كثرت رغم هذه التحوطات كلها، وكان السبب في اندلاع معظمها راجعًا إلى ما حل بالأهلين من مظالم عمال الترك، واستمرت بلاد القبائل على تمردها طوال القرن الثامن عشر ومستهل التاسع عشر تقريبًا. وفي نهاية الحكم التركى اضطربت الأمور في ولاية وهران اضطرابًا تامًّا بفعل دسائس عمال مراكش ودعوة الدرْقاوَة والتجانيَّة. ولم يستطع الترك إخماد هذهَ الفتن إلَّا بشق الأنفس، وكانت فتنة بنى شريف التي شبت عام 1805 م أخطرها شأنًا. أما سكان الحضر، ويعرفون بالبلدى، فقد حجبوا عن الحياة السياسية بأسرها، فلم يحركوا ساكنًا لرفع النير التركى عن كواهلهم،
¬__________
(¬1) الزمول بمعنى المعسكر في الإصلاح الجزائرى يومئذٍ، وكان للبلاد جند من مرتزقة قبائل الزواوة، وآخر من مرتزقة الزنوج يسمى (العبيد)، وفريق يسمى (الدوائر) وهم فرسان من الأهلين.

الصفحة 2829