كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 9)

أسلافهم ولهجاتهم، كما احتفظوا على ما يظهر بخصائصهم الجثمانية، ولم يوضع بعد إحصاء دقيق لمختلف طوائف اللغات، وحسبنا أن نقول إن عدد الذين يتكلمون لهجة بربرية قد قدر عام 1859 بثمانمائة وخمسين ألف نسمة، وأن عددهم اليوم يبلغ قرابة سدس السكان جميعًا. أما من حيث الخصائص الجسمية فقلما يجد المرء طوائف احتفظت بالصفات الواضحة التي تميز البربر عن غيرهم. ولقد فرض العرب في كل مكان نظمهم ولغتهم على القبائل التي أدخلوها في الإسلام. نعم إن العرب الفاتحين قد تأثروا من بعض الوجوه بالسكان الأصليين الذين كانوا يشبهونهم شبها كبيرًا في طرائق معيشتهم من بعض الوجوه (ومن ذلك أن البربر كانوا يعيشون على الرعى كالعرب كما يقول بعض المؤلفين الآخرين) ولكن الفاتحين كانت لهم دون شك الغلبة على الأفارقة، فأدى ذلك إلى امتصاص العرب للبربر، واندماج هؤلاء فيهم، والواقع أن إطلاق كلمة العرب على جميع سكان الجزائر دليل قاطع على هذا التطور الأخير.
أما من حيث طرق العيش ففي وسعنا أن نقسم أهل الجزائر الوطنيين على أساسها إلى طائفتين: قبائل مقيمة، وأخرى ظاعنة. وثم فروق واضحة بين الأولين، فسكان المدن لا يشبهون سكان قرى القبائل كما أنهم لا يشبهون أهل القصور وفلاحى التل. ذلك أن هؤلاء قد استوطنوا منذ قرون عدة مدن الساحل والتل، كالجزائر، وبليدة، والمدية وقسنطينة، وبجاية، ووهوان، وندرومة، وتلمسان. وهم الآن يؤلفون طبقة من التجّار والصناع والأدباء، وهم مواطنون وادعون، وقد زاد عددهم منذ الفتح الفرنسى بمن انضم إليهم من الأجراء عمال المياومة وأصحاب الحرف اليدوية، وغيرهم ممن هم أدنى منهم، وهم يعيشون عشائر متفرقة، ويبدو أنهم إذا اتصلوا بالأوربيين ينزعون إلى اتخاذ العادات الغربية. أما أهل القبائل فيجتمعون في قرى كبيرة تتألف من طائفة من المنازل الحجرية. يأوى إليها السكان والماشية جميعًا، وهي تبنى في صفوف على المرتفعات البارزة بين الوديان، ونحن إذا نظرنا إلى هذه القرى من حيث عدد السكان الذين

الصفحة 2842