كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 9)

أو نساءً، فإنهم لا يكادون يؤثرون في عقول الأهلين حتَّى يصبحوا موضع الإجلال والتكريم، وينتقل ما حباهم به الله من تركة إلى أبنائهم، ويصبح قبر الواحد منهم "المرابطى" مزارًا، وتجنى أسرة المتوفى أو قبيلته من وراء ذلك خيرًا كثيرًا. ذلك بأن تعظيم النَّاس لهؤلاء الأولياء يتطلب منهم إقامة الموالد لهم في كل عام، وفيها تؤدب المآدب ويطعم الطَّعام، وتنحر الذبائح تبعًا لمراسم خاصة ويقبل الزوار من جهات نائية، ويقدمون النذور نقدًا أو عينًا لسدنة هذه القبور، وإذا حلت بالبلاد وأهلها كارثة من جدب أو وباء أو نحوهما وفد النَّاس إلى هذه القبور وقدموا لها النذور، ومن مواردها غير ما ذكرنا ضروب من "الصدقات والهدايا والغفارات" يجمعها المرابطون الجوالون، ولهؤلاء في البلاد شأن عظيم، ومن أجل هذا كان الأتراك يعملون على كسب رضاهم بما يقدمونه إليهم من مراسم التعظيم، ومن الهدايا الكثيرة، وبإعفائهم من الضرائب.
ومع ذلك فإن نفوذ المرابطين لا يتعدى الإقليم الذي يسكنون فيه. أما نفوذ رجال الطرق فينتشر في أقاليم متسعة الرقعة، ويقول ديبون Depont وكيولانى Coppolani أن في بلاد الجزائر وحدها ما لا يقل عن ثلاث وعشرين من هذه الطرق ينضوى تحت لوائها 295.189 من الأعضاء، ويشرف على أعمالها سبعة وخمسون شيخًا وستة آلاف عامل يقومون فيها بأعمال مختلفة وهم مقدمون ووكلاء ونواب وغيرهم). ولهذه الطرق 349 زاوية، وهي تجمع في كل عام حوالي سبعة ملايين من الفرنكات من الأعضاء أو "الإخوان"، وأوسعها انتشارًا طريقة "الرحمانية" وهي تضم 156.000 عضو منهم ثلاث عشرة ألف امرأة. وهذه هي الطريقة الجزائرية الحقة، ومؤسسها سيدى محمَّد بن عبد الرحمن أبوقبرين، وهو شيخ من الأتقياء الصالحين، عاش في القرن السابع عشر الميلادي، ويضم رفاته- حسب الرّواية المتواترة- قبران منفصلان

الصفحة 2848