كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 2)

بين سواد الكوفة فى الشرق وتدمر فى الغرب.
ولقد هذب دعاة القرامطة من شأن بنى كلب الذين كانوا يعيشون عيشة البدو فى فيافى تلك الصحراء. ومن المحتمل أن يكون هذا الشاعر الشاب قد اتصل فى ذلك الوقت ببعض هوْلاء الزنادقة. إلا أنه ليس من المرجح كثيرا أن يكون هذا الاتصال الأول قد ترك أثرا حاسما فى حياته لحداثة سنه. ومن المحقق من جهة أخري أن إقامة أبي الطيب بين هؤلاء البدو قد أكسبته معرفة عميقة باللغة العربية فاخر بها جد الفخر من بعد.
ويظهر أن أبا الطيب صمم على أن يقف مواهبه كلها على الشعر عند رجوعه إلى الكوفة فى أوائل عام 315 هـ (927 م). وكان فى ذلك الوقت شديد الإعجاب بأبى تمام والبحترى وهما شاعرا المدح العظيمان اللذان ظهرا فى القرن السابق. إذ رأى، شأن هذين الشاعرين وشأن الكثير من معاصريه، أن الشعر وسيلة محققة للحصول على الثروة والسلطان، ولهذا سرعان ما تقرب الى أبى الفضل الكوفى ومدحه بقصيدة قصيرة (الواحدى ص 17 - 31؛ اليازجى، ص 10 - 11) ويلوح لنا أن هذا الرجل قد أثر تأثيرا كبيرا فى تطور عقيدة المتنبى وفلسفته (أنظر خزانة الأدب، ج 1، ص 383) ذلك لأنه كان فيما يظهر من الذين اعتنقوا مذهب القرامطة أو قل أنه كان على أى حال لا أدريًا صميمًا، نلمح ذلك من المدائح التى كان يسره أن توجه إليه، وقد جعله اتصاله بمولاه -بعد أن هيأته البيئة الشيعية التى قضى فيها صباه والصلات التى كانت بينه وبين القرامطة فى السماوة- ينبذ العقائد الدينية التى كان يرى أنها أداة روحية للظلم. واعتنق المتنبى فى ذلك الوقت فلسفة رواقية متشائمة ظهر صداها فى شعره: فالحياة عنده غواية يذهب بها الموت (الواحدى، ص 39، الأبيات 13 - 8؛ اليازجى ص 97.23) ولا يسودها إلا الحماقة والشر (الواحدى، ص 161، الأبيات 5 - 10؛ اليازجى، ص 97). كما كان يرى أن الاْعاجم الغلاظ الجبناء قد غلبوا العرب على أمرهم، وهؤلاء كانوا فى نظره يمثلون

الصفحة 356