كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 19)

والجديد وإلى التعاون الأخوى مع المسيحيين. وفى سنة 1892 قامت إحدى الشاذليات من كوران فى أرض البقاع شمال جبل حرمون برحلة فى سورية لوعظ الناس، فدعت إلى الاصلاح وحياة الاستقامة، وكانت تقول إن الجميع من مسلمين ونصارى ويهود إخوان، وقد خطبت فى مساجد دمشق وحاصبيا وصيداء وصور ومدن أخرى فحضت الناس على ترك الآثام. وقد بدا من الواضح أن التسامح الدينى الذى من هذا النوع لم يكن ليتفق أبدًا مع آراء مؤسس الطريقة.
ويحكى ك. نيبور (Reisebeschreibung nach Arabien: C. Niebuhr جـ 1 ص 439؛ الترجمة الفرنسية جـ 1، ص 350) أنه كان يوجد فى مخا فى جنوبى جزيرة العرب شيخ شاذلى يعده الناس وليا تحفظ بركته ذلك المكان وأنه هو الذى استحدث شرب القهوة.
وقد كشف س. دى ساسى (Chrest Arabe, جـ 2 ص 374) فى كتاب "جهاننما" نصا يخبرنا عن وصول الشاذلى إلى جزيرة العرب فى سنة 656 هـ وعن عدة كرامات أن إلى أن صارت زراعة البن أهم فروع الكسب فى مخا، لكن الأرجح أن الولى الذى يعده الناس بركة مخا هو من أتباع الطريقة الشاذلية الذين جاءوا بعد ذلك، وهو على بن عمر القرشى (الذى تروى له أبيات من الشعر فى كتاب المفاخر، ص 7) أحد تلاميذ ناصر الدين (لعله كان ابنه) محمد بن عبد الدائم بن الميلق (المتوفى سنة 797 هـ) الذى كان فى ذلك الوقت شيخ الطريقة (Erdkunde.Arabien: Ritter جـ 2، ص 572) وليس واضحًا فيما يحكيه نيبور إلى أى حد كان أهل مخا فى أيامه عاملين بشروط الطريقة الشاذلية أو منخرطين فى سلكها. ومنذ أيام نيبور تدهورت أحوال مخا تدهورًا كبيرًا، وهى لا تعدو أن تكون الآن سوى بلدة متواضعة ماتت فيها تجارة البن والجلود (Arabia lnfelix: G.WymanBury، 1915 م ص 24).
ويتبين من هذا أن المقر الأكبر للشاذلية كان فيما يظهر هو الجزء من إفريقية الواقع إلى الغرب من بلاد مصر وخاصة الجزائر وتونس. ويذكر

الصفحة 6066