كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 20)

وازدهر الإسلام فى البلاد خلال هذه الفترة، وتولى وجهاء القوم من أهل الدين مقام الصدارة؛ وقد اتخذ الإسلام فى المغرب فى القرن السادس عشر صورته الأصلية المعهودة على مذهب أهل السنة بالاسم دون الفعل، وظل محتفظا بهذه الصورة إلى يومنا هذا. وأراد المسلمون أن يدرءوا الخطر المسيحى ويحبطوا أطماع أسبانيا والبرتغال فى مراكش، فأهابوا بالقادة أن ينهضوا للجهاد. وشرع الشرفاء، الذين كان يحجبهم حتى ذلك الحين أمراء القرون الوسطى، يقومون بالنصيب الأوفر فى هذا الميدان؛ وكان من نتيجة ذلك أن سقطت دولة المرينيين وخلفائهم بنى وطاس وتولى الأمراء السعديون مقاليد الحكم فى البلاد.
ومن ثم أصبحت مراكش أرض الشرفاء المختارة، وما لبثت الدولة أن عرفت باسم "الإيالة الشريفة" وخلع على جماعتهم، التى تألفت فى الأصل من غير أن تعترف السلطة المركزية بها أى اعتراف، بلقب النبالة من لدن السلطان؛ وجرى كل سلطان عند اعتلائه عرش البلاد على أن يجدد المنح والامتيازات والإعفاءات المالية المقررة لهم ويصدر من أجلهم الأوامر السلطانية (الظواهر) التى أصبحت فى كل أسرة ضربًا من ضروب "منحة الشرف" (grant of arms) فمثلا كان نقيب كل جماعة يعين بمقتضى أمر شريف؛ وكان لهؤلاء النقباء الصدارة فى طبقات نظام المخزن؛ ويوجد شرفاء مراكش فى المدن خاصة، ولكنهم حتى فى الريف كثيرون جدًا. وليس من اليسير فى جميع الأحوال التمييز بين الشرفاء المنحدرين من أصل نبيل خالص وبين أولئك الذين لا يستطيعون إثبات أن نسبهم يرتفع إلى النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ وقد نشأت شيئًا فشيئًا صعوبة اعترضت التمييز بين الشريف الذى يرجع نسبه إلى النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين الرجل المنحدر من صلب مرابط مشهور لا يكون بالضرورة من الشرفاء. والشرفاء بالرغم من كثرة عددهم ينعمون جميعًا باحترام مواطنيهم وتقديرهم، ولا تتوفر لهم جميعًا سبل العيش؛ فمعظمهم يشتغلون ببعض الأعمال اليدوية فى المدن ويزرعون الأرض فى الريف، وليس فى ملابسهم ما يميزهم عن غيرهم من أهل البلاد.

الصفحة 6167