كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 20)

وبعد وفاة النبى عليه الصلاة والسلام تولى خلفاؤه (الخلفاء الأولون) وظيفته من حيث كان القاضى الأعلى للجماعة الإسلامية، على أنهم لم يكن لهم ما كان له من تبليغ الوحى الإلهى. صحيح أن الشيعة يعتقدون أن لأئمتهم هذا الشأن، لكن هذه العقيدة بقيت فى هذا الباب مجرد نظرية اعتقادية لا أكثر، وهى لم تؤثر فى تطور الشريعة تأثيرا فعليا. أما بالنسبة لأهل السنة (¬1) فإنه فى أثناء الثلاثين السنة الأولى من حياة الإسلام كان هؤلاء الأشخاص بأعيانهم فى الجملة هم الذين يصح أن يقال إنهم كانوا على علم بالأحكام الصحيحة فى الشريعة، وكان لهم أيضًا الشأن الحاسم فى قيادة الجماعة الإسلامية، وأولئك هم صحابة النبى عليه الصلاة والسلام وفى وسطهم الخليفة. وعلى هذا لم يكن هناك خطر كبير من سيطرة آراء بعيدة كل البعد من أن تكون عملية. وفى طول هذه الفترة كلها روعيت بطبيعة الحال أوامر القرآن والقواعد الأخرى التى وضعها النبى عليه الصلاة والسلام، لكن المسلمين أخذوا فى الوقت نفسه دون تحرج بالقوانين التى وجدوها أمامهم فى البلاد الجديدة التى فتحوها ما دام لم يكن عليها اعتراض دينى (¬2) لكن منذ قيام دولة بنى أمية فقد ممثلو
¬__________
= والمذاهب الأخرى لا تفرق بين الفاسد والباطل، وكثيرا ما يستعمل الوصف بـ "صحيح" فى معنى الصحيح قانونًا، بحيث يشمل المكروه. والاصطلاحات الخاصة بهذا المفهوم الجديد هى "نافذ" أى من الناحية الموضوعية) و"لازم" (أى ملزم من الناحية الذاتية) و"واجب" (أى لا يمكن الرجوع فيه، ولا يصح الخلط بين معنى هذا الواجب ومعناه الذى ذكر آنفا)؛ فبهذا المعنى الجديد يكون الصحيح مرادفا للجائز (انظر ما تقدم) فكل من اللفظين يدل على كل ما هو جائز من وجهة نظر الدين وبالتالى صحيح شرعًا, وبحسب هذا المعنى تماما تستعمل كلمة إجازة فى داخل الميدان الفقهى الخالص: فإذا أقر الإنسان امرا صار صحيحا بذلك.
ويدل على أن التقسيمين للأعمال بحسب قيمتها غير منفصلين فى الميدان اشتراكهما فى مفهوم المكروه، لكن لا يمكن جعل احدهما ينطبق على الآخر تماما، فالأفعال المحظورة ليست وإنما باطلة من حيث نتائجها القانونية، بل هى فى بعض الأحيان فاسدة فقط أو حتى صحيحة تماما. وعلى هذا فان التطبيق السليم للتقسيم الثانى يعطى مقياسا موضوعيا لمعرفة المادة الفقهية الحقيقية التى احتفظت فى داخل الشريعة بقسط من صبغتها الخاصة".
(¬1) من أول الفقرة إلى هنا منقول من المختصر.
(¬2) من قوله: وفى طول هذه الفترة إلى هذا الموضع منقول من المختصر.

الصفحة 6207