كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 21)

على أن هذا النصر الجديد زود الفاتحين بمواثيق جديدة؛ ولم يكن دوقا إسبوليتو Spoleto وتوسكانيا Tuscany بريئين من الاشتراك فى الأسلاب، والحق إن سيادة الأغلبى كانت تامة إلى حد أن البابا يوحنا الثامن وجد من الحكمة أن يؤدى له الجزية سنتين، ولقد حجب الهلال الصليب بلا ريب فى ذلك الحين.
على أنه بقيت بعد بضع مدن لم تحن رأسها، ذلك أن قوة العرب لم تكن مستطيعة أن تخضع كل مكان على طول الساحل، بل إن الفتنة كانت ترفع رأسها حتى فى المراكز الكبرى مثل بلرم؛ ففى سنة 900 ثارت فتن خطيرة هددت السلام فى قصبة البلاد، على أن النذر داخل المعسكر الإسلامى كانت أشد حلكة وظلامًا، فبينما كان الأمر يقتصر من قبل على الدمدمة العالية أو الحركات السرية إذا به ينقلب حروبًا أهلية، وظهر إبراهيم بشخصه فى صقلية ليثبت وجوده، وبفضل حضوره سقطت تاورمينا ورامطة Rametta (908)، بيد أن وفاته كانت السبب فى حرب ضروس أخرى حالت دون فتح صقلية الشرقية، وتنفس المسلمون الصعداء عندما أبرموا معاهدتهم مع الإمبراطور قسطنطين بورفيروكينتوس Constantine Porphyrogenitus سنة 956 م، فلما عادوا للاستيلاء على تاورمينا سنة 963 ورامتا سنة 965، كان الشعب الإسلامى فى صقلية قد غلب على أمره، بعد أن ظل هذا الشعب يناضل 138 عاما فى سبيل سيادة الجزيرة وراح ينعم بهذه السيادة 73 سنة أخرى، وقد ظلت ثقافة الشرق تنساب طوال هذه المدة فى عقول أهل صقلية وفى قلوبهم وامتزجت فيهما بتراث اليونان ورومة النفيس، وقد أسفر قراع العقل بالعقل عن طراز فى الحياة لا مثيل له فى التاريخ، فقد اجتمع هناك كل ما فى الشرق من روحانيات وكل ما فى اليونان من جمال وكل ما فى اللاتين من حمية ونشاط، ولم يكن ثمة سبيل إلى السلام إلا بالتسامح، وإن كانت صقلية قد سارت فى أى طريق فإن هذه الطريق كانت بلا جدال طريق التسامح.

الصفحة 6562