كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 1)

نفساهما أنه لم يصرح بذلك إلا فى المدينة. فلو كان ما ادعياه صحيحًا لكان أولى بذلك أن يكون وهو بمكة بين قبائل كلها تعتزى إلى إبراهيم. أما وقد انتقل إلى المدينة وجميع أهلها من قبائل اليمن الذين لا ينتسبون إلى إبراهيم فلم يكن من ضروب الخلابة، لو كان محمد يعتمد عليها، أن يتذرع بهذا الموضوع لأنه ليس موضعه.
أما الأصل الذى اعتمد عليه الإسلام وجعله أساس دعوته فإنه دين أول المرسلين كما رأيت راميًا بذلك إلى رفع الخلافات من بين البشر ليقوموا على الوحدة معتمدين على العقل والعلم، وليستهدوا فى عقائدهم وشرائعهم على ما أقامه الله من أعلام الحق فى الكون نفسه لا على ما فى سيرة هذا أو ذاك من المرسلين، معلنًا إياهم أن كل إنسان مأخود بسيرته الشخصية، فقال تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
يتبين مما مر أن معتمد الإسلام لم يكن الاعتزاء إلى شخص معين أو قبيلة أو شعب، بل كان معتمده الحقائق الوجودية دون سواها. فقد قرر وحدة البشرية على اختلاف أصولها وبيئاتها وألوانها فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. ثم قرر أن هذه البشرية الموحدة يجب أن يكون دينها واحد، هو الدين الأقدم الذى أوحاه إلى أبى البشرية الثانى وهو نوح كما رأيت.
فهذا الدين يقوم على أصل طبيعى لا يختلف فيه البشر وهى الفطرة الإنسانية، وعلى أساسى العقل والعلم وهما ينبوع كل الترقيات الصورية والمعنوية، ولا ملتحد للإنسانية غيرهما فى أى مجال من مجالات نشاطها النفسى والعقلى إلى يوم القيامة.
محمد فريد وجدى،
تعليق آخر على مادة "إبراهيم"
1 - الذى يعزوه كل من هرجرونى

الصفحة 80