كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 29)

الخلاص على يديه من مشاكلهم الاجتماعية والسياسية ما لم تكن قدراته فى هذا المجال قد تركت فى نفوسهم انطباعا عميقا.
وبعد أن أقام محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] علاقات مع بعض أهل المدينة القادمين إلى مكة للحج عام 621 م، بدأ هؤلاء فى نشر الإسلام فى المدينة جنبا إلى جنب مع رجال أرسلهم هو إليها. وهكذا تمكن بعد اجتماع تمهيدى فى العقبة من أن يعقد خلال حج العام التالى (سنة 622 م) وفى المكان ذاته، اتفاقا رسميا مع عدد كبير من أهل المدينة، تعهدوا فيه نيابة عن مواطنيهم أن يأخذوه عندهم وأن يحموه حمايتهم لأى منهم، وهو تعهد يسرى أيضا كما أوضح التاريخ اللاحق- على أتباعه المكيين متى هاجروا إلى المدينة. ولا شك فى أن الروايات مصيبة إذ لم تذكر سوى وعد أهل المدينة بحماية محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] دون التزام بأمر سواه.
وما كان بالوسع أن تبقى هذه المفاوضات سرا على أهل مكة. فما علموا بها حتى أثارت مرارة شديدة، وبدأت على حد قول عروة- فتنة ثانية تعرض لها المؤمنون، لابد أنها ثبتت عندهم قرار الهجرة إلى المدينة. وقد ذكر أنهم تسللوا فى جماعات كبيرة أو صغيرة حتى لم يبق بمكة سوى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأبى بكر وخادم لأبى بكر. وتقول روايات أخرى قد تكون شيعية إن عليا أيضا بقى فى مكة حتى اللحظة الأخيرة. والأرجح أن يكون تخلف محمد عن الآخرين جزءا من خطته أن تبقى الهجرة غير ملحوظة قدر الإمكان.
ومن الصعب أن نقدر مدى استطاعة قادة مكة أن ينجحوا لو أنهم شاءوا منع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأتباعه من الخروج، والراجح أن أهل مكة وقت الهجرة لم يكونوا يرون فى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] خطرا عليهم سواء بقى فى مكة أو رحل إلى المدينة. أما عن الرواية التى أضيفت إليها فيما بعد تفاصيل والتى تقول إن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأبا بكر بقيا فى مكة حتى غادرها غيرهما من المسلمين آمنين، ثم اختبآ فى غار بالطريق، فقد نجد لها سندا فى الآية 40 من سورة التوبة، {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ

الصفحة 9127