كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 29)

أبى الذى ما كان يغفل كل فرصة بوسعه انتهازها من أجل إضعاف مركز محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-].
كان ثمة خطر آخر يتمثل فى استمرار جذوة النزاع القديم المرير بين الطائفتين الرئيسيتين بالمدينة، وهما الأوس والخزرج، وكان يمكن للنار أن تشتعل من جديد فى أية مناسبة.
وبالإضافة إلى القبائل العربية فى المدينة، كان هناك عدد من الجماعات اليهودية، وأهمها "الكاهنان" أى بنو النضير وبنو قريظة. ومن بين الجماعات اليهودية الأخرى كان بنو قينقاع فيما يبدو أهمها. وقد لعبت هذه القبائل اليهودية الثلاث دورا بارزا فى حياة المدينة بفضل ثرائها وبفضل ما كانت تلقاه من تأييد المستعمرات اليهودية فى خيبر والمستوطنات الأخرى فى الشمال. وقد كرس محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] خلال عامه الأول فى المدينة جهدا كبيرا من أجل أن يقبل هؤلاء السكان اليهود المتكلمون بالعربية دعواه أنه رسول اللَّه. أما عن علاقاته بالمسيحيين فى المدينة فلا يمكن تخمين طبيعتها إلا من الإشارات الواردة فى القرآن الكريم إليهم. وبعد أن أصبح واضحا أن يهود المدينة لن يقبلوا دعواه النبوة، وردت بالقرآن آيات تعطى انطباعا بأن رأيه فى النصارى أضحى بالتدريج أكثر تعاطفا، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} سورة المائدة 82 و 83، {. . . وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً. . .} سورة الحديد آية 27.
وكان على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يكون جماعة متآزرة من هذه العناصر المختلفة. وكانت أولى المشاكل كيفية توفير الوسائل اللازمة لإعاشة المهاجرين الذين كان معظمهم لا يملك شيئا. وقد خفف من حدة هذه المشكلة، بصورة مؤقتة على الأقل، مؤاخاة

الصفحة 9129