كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 29)

محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بين كل مهاجر ورجل من المدينة، غير أن الآية السادسة من سورة الأحزاب التى نزلت بعد موقعة بدر تفسر عادة على أنها إلغاء للمؤاخاة، على الأقل فيما يتعلق بالمواريث، {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا}.
وقد يكون من بين الاعتبارات الأكثر أهمية فى إلغاء هذه الترتيبات الأولى بالمدينة الاتفاق الذى أبرمه محمد مع كافة القبائل والعشائر المهمة. ومن حسن الحظ أن ابن اسحاق حفظ لنا وثيقة بالغة الأهمية خاصة بهذا الاتفاق، تسمى عادة بدستور المدينة. ويبدو أن هذه الوثيقة لا تنتمى إلى عام محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الأول فى المدينة كما زعم البعض، حيث إنها تعكس التوتر اللاحق الذى طرأ على علاقة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالأطراف اليهودية فى التسوية. وينم الاتفاق عن مواهب محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الدبلوماسية العظيمة، إذ يضع فيه الاعتبارات العملية فى المقام الأول. صحيح أنه نص على أن الأمر للَّه ولرسوله يفصلان فى كافة الشؤون المهمة، غير أن الأمة كانت تشمل يهودا ووثنيين مما دعا إلى الاحتفاظ إلى حد كبير بالأشكال القانونية عند قبائل العرب القديمة. ولكن المواد التى نصت عليها هذه الوثيقة لم يكن لها مع ذلك أهمية عملية كبيرة ولم يذكرها القرآن البتة رغم قول بعض المفسرين إن الآية 56 من سورة الأنفال تشير إليها {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ}. وعلى أى الأحوال فقد باتت غير ذات موضوع بسبب التغير السريع الحاسم الذى طرأ على الأحوال فى المدينة.
ومن دلائل حكمة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] السياسية محاولاته الأولى فى المدينة استمالة اليهود هناك إلى دعوته بتأكيده على وجود أمور مشتركة بين العبادات اليهودية والعبادات الإسلامية. فقد فرض مثلا صوم العاشر من محرم على المسلمين، وكان فيما يبدو -صوما

الصفحة 9130