كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 29)

فإن كان البعض قد رأى فى مبادرته على الفور بإقامة مكان للعبادة تقليدا لكنيس اليهود، فقد أورد كايتانى أسبابا قوية لاعتقاده أن هذا المكان لم يكن مبنى مخصصا للعبادة وحدها، حيث إن ما يسمى بالمسجد كان يستخدم أيضا فى أغراض دنيوية شتى، وكان فى الواقع مجرد دار يسكنها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأسرته، بينما كان الاجتماع للصلاة يتم فى المصلَّى. ومع ذلك فإن ما يسمى بمسجد ضرار فى الآية 107 من سورة التوبة {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، يبدو أنه كان كبناء شبيهًا بالكنيس اليهودى.
ورغم التشابه بين الإسلام واليهودية -كديانتى توحيد- فى بعض النقاط إلا أنه بدا واضحًا أن رغبة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى إسلام يهود المدينة لن تتحقق. فمع أنهم كانوا يتوقعون فى لهفة ظهور المسيح، فما كانوا على استعداد للاعتراف لعربى بأنه المسيح اليهودى الذى ينتظرونه منذ أمد طويل. وما لبث محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن نعى على اليهود أنه لم يؤمن برسالته منهم غير نفر قليل، {. . . وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة آل عمران آية 110. ونذكر بالأخص أن الاختلاف بين ما كان يتلوه من آيات يذهب إلى أنها مطابقة للكتاب الذى أنزل -من قبل- على موسى النبى عليه السلام، وبين ما كان يهود المدينة يعرفونه من كتابهم المقدس، أثار سخرية اليهود، خاصة أنه كان كثيرًا ما استشهد فى الماضى بأولئك الذين أوتوا الكتاب من قبل بحيث لم يستطع الآن أن يتجاهل هذا النقد.
فأكد القرآن أن اليهود لم يتلقوا غير جزء من الكتاب {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} سورة النساء آية 44، {هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} سورة آل عمران آية 119. وذهب إلى

الصفحة 9132