كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية (اسم الجزء: 29)

يتحرر من شروط ذلك الصلح فيهاجم قبائل المكيين بِل ومكة ذاتها. وفى رمضان من العام الثامن الهجرى (ديسمبر 629 م) خرج على رأس جيش من المهاجرين والأنصار والبدو، فأثار خبر خروجه قلقا شديدا فى مكة حيث كان عدد أولئك الراغبين فى القتال يتناقص يوميا وأصبح بإمكان الأكثر حذرا أن يتولوا مقاليد الأمور. وقد أرسل أبو سفيان مع آخرين، من بينهم صديق محمد بُدَيل بن ورقة الخزاعى لمقابلة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قرب مكة، معظمين إياه، وحصلوا منه على عفو عن قريش كلها شرط ألا تقاومه بالسلاح. وهكذا تمكن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من دخول بلدته دون قتال، واعتنق معظم أهلها الإسلام. وكان موقف النبى منهم كريما للغاية، وحاول تأليف كافة القلوب بالعطايا السخية التى أصبحت تشكل وجها جديدا من وجوه إنفاق الصدقات {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة 60. ولم يطلب النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] غير تحطيم الأوثان داخل مكة وحولها. وقد جاءت سورة النصر {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)}، معبرة عن سعادته بهذا النصر، وكذا تلك الآيات قوية التأثير {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} الفتح 1 - 3. ومن الشائق أن نلاحظ فى هاتين السورتين ذكر غفران اللَّه لذنوب محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد ذكر الفتح الذى فتحه اللَّه له، مما يوحى بأن تحقق أحد الأهداف الرئيسية للنبى، وهو استسلام بلدته دون قتال، فيه دليل مباشر على أن اللَّه قد غفر له كافة ذنوبه.
وبعد استسلام مكة بزمن قصير بدأت قبائل هوازن فى وسط شبه الجزيرة فى الاستعداد لمعركة حاسمة، وكانت لا تزال هناك مدينة الطائف وثيقة الصلة بمكة لا سلطان له عليها. وقد قاتل النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) هوازن وحلفاءها عند حنين على الطريق إلى الطائف، وبدا فى

الصفحة 9150