كتاب جواب الإعتراضات المصرية علي الفتيا الحموية - ت شمس - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
فأما الأول فمن وجوه:
أحدها: أن النبي جمم بين لاصحابه القرآن لفظه ومعناه جميعا، فان
البيان لا يحصل بدون هذا، وقد قال تعالى: < لتبين للئاس مانزل لئهم>
[اخر/ 4]، وقال: < هذا بيان للناس) [ال عمران / 138]. ولو خاطبهم
بلفظ لم يفهموا معناه لم يكن ذلك بيانا. وقد امتن عليهم في غير موضع
بكونه أرسله بلسان عربي وأنه يسره (1) عليهم بذلك، فقال: < إنا انزلته
قرءانا عربيا لعلي تعقلون *> [يوسف/ 2]، فهل يعقلونه إذا لم يعرفوا
اللفظ؟ وكذلك: < فانما لمئزنه بلسانك لعفهم يتذ! رون!) [الدخان/
58]، فكيف يتذكر من لا يفهم الكلام؟ قال: < ولؤ جعلته قرءانا أتجمئ! تقالو
لولا فصلت ءايط- ء لمجى وعربئ) [فصلت/ 44] أي أقرآن اعجمي ونبي
عربي أو مخاطب عربي! فدل على أنه فصل اياته، والتفصيل التبيين
المنافي للاجمال، فلو كانت اياته مجملة لم يفهم معناها لم تكن آياته قد
فصلت، والتفصيل إنما يكون للبيان والتمييز الذي يزول معه الاشتباه
والاشتراك والاجمال المنافي لفهم المراد بالخطاب، وإن كان المعني
المفهوم قد يحصل بينه وبين معنى آخر مشابهة ومشاركة تمنع إدراك
حقيقته التي لا تفهم بمجرد اللفط. وقد قال الله تعالى: < وماعلى ألرسوهـ
إلا اكبلغ البرن *> [العنكبوت/ 18]، واذا كان المخاطبون لم يفهموا
معنى كلامه لم يكن قد بلغهم بلاغا مبينا، ومن قال ذلك فلم يشهد له
بالبلاغ.
وهذا حال هؤلاء الذين يزعمون أنه لم يعرف من جهته معاني
القران، فإنهم يقولون: لم يبين ولم يبلغ، وان كانوا يقولون ما يستلزم
__________
(1) في الاصل: "انسرح ".
11