كتاب جواب الإعتراضات المصرية علي الفتيا الحموية - ت شمس - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
ماهو في المتأخرين أن قوما يقرأون القرآن ولا يفهمونه، وآخرون
يتفهمون في كلام آخرين، وآخرون يشتغلون بعلوم أخر، بل كان القراء
عندهم أهل العلم المحفوظ، وذلك اسم معروف لهم. وهذا مما يوجب
العلم بحرصهم على فهم معناه، واذا كانوا حراصا والرسول بين أظهرهم
فمن الممتنع أن يكونوا يرجعون إلى غيره في بيان معانيه وتفصيل مجمله
وبيان متشابهه، فعلم أنهم أخذوا عن الرسول بيان معاني آيات القران
التي يقال: إنها مشكلة أو مجملة.
الوجه الرابع: أن أصحابه المعروفين هم الذين نزل القران بلغتهم،
فان لغات العرب وان اشتركت في جنس العربية فبينها افتراق في مواضع
كثيرة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما خاطب أهل اليمن كتب إليهم بلغة هي غريبة
بالنسبة إلى لغة قريش، والقران نزل بلغة قريش ونحوهم من أهل
الحاضرة والبادية، وأولئك هم خواصق أصحابه، فلا يحتاجون في معرفة
لغتهم وعادتهم في خطابهم إلى شعر شاعر غيرهم، فصلا عمن يكون
حدث بعدهم.
الوجه الخامس: أن الصحابة سمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - من الاحاديث
الكثيرة، ورأوا منه من الاحوال، وعلموا بقلوبهم من الامور ما يوجب
لهم من فهم ما أراد بكلامه ما يتعذر على من بعدهم. فليس من سمع
ورأى وعلم حال المتكلم كمن كان غائبا، ولم ير ولم يسمع منه، ولكن
علم بعض أحواله وسمع بواسطة. وإذا كان الصحابة سمعوا لفظه وفهموا
معناه كان الرجوع إليهم في ذلك واجبا متعينا، ولم يحتج مع ذلك إلى
غيرهم. ولهذا قال الامام أحمد (1): أصول السنة عندنا التمسك بما كان
__________
(1) في صول السنة (رواية عبدوس بن مالك العطار) 25. و نظر طبقات الحنابلة-
15