كتاب جواب الإعتراضات المصرية علي الفتيا الحموية - ت شمس - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
أو خوفا منهم في الظاهر.
وهذا الثاني يعذر، و ما الاول فلا يعذر، إذ يجب على المومن
الايمان في قلبه في كل حال، ويكون في المنكر كما قال النبي لمجيم: " من
رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع
فبقلبه، وذلك أضعف الايمان " (1). وكيف ينكر المنكر بقلبه من لا يعرف
أنه منكر، فالعلم قبل الحب والبغض، والايمان بالقران لفظه ومعناه
واجب، ومحبة لفظه ومعناه واجب، وانكار ما خالفه ولو بالقلب
واجب، لكن يعذر المومن بعجزه. فالقلب كالبدن، فمن عجز عن
معرفته فهو كالعاجز عن حفط حروفه، ويسقط عنه خطاب الايمان
بذلك، ويخاطب به القادرون، لكن لا يكاد يعجز مثل هذا أن يعلم أ ي
القولين أو القائلين أولى بالايمان بالده ورسولي، فعليه أن يكون مع أهل
الايمان بحسب إيمانهم، وان ابتلي بمخالفة الفاجر خالفه.
وهذا الذي ذكرته بين لمن تدبره، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فان الله
تعالى إنما أنزل كتابه ليعقل و! يحدبر، وتتبع المعاني أشرف من الالفاظ
والكمال المقصود بالالفاظ، وهي معها كالارواح مع الأجساد، فاللفظ
بلا معنى جسم بلا روع، ومن لم يعلم من الكلام إلا لفظه فهو مثل من
لم يعلم من الرسول إلا جسمه، ومن لم [يعلم] من الصلاة إلا حركة البدن
بالقيام والقعود والركوع والسجود. ولهذا قال تعالى: وجوهكم قبل المثسرق وائمغرب > ا لاية [البقرة / 177]، وقد روي في حديث ان
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "انما هلك بنو إسرائيل حين شهدت اجسادهم وغابت
__________
(1) أخرجه مسلم (49) عن بي سعيد الخدري.
27